الناصرة، أما بعد... (1) - خصوصية الناصرة كمدينة وخطابات الانتخابات النسوية والطائفية



اولاً، وبما أن هذة اول مقالة أكتبها عن الناصرة بعد الإنتخابات، أود ان أفتتح بتهنئة لرئيس البلدية الجديد علي سلام بفوزه برئاسة البلدية بشكل حاسم وقاطع وغير قابل للتأويل، وكاكاديمية وكباحثة صاعدة استطيع ان اقول انه بالفعل سوف تدرس هذة الإنتخابات بالجامعات، ولن يستطيع اي باحث مهتم في شؤون الناصرة التغاضي عنها، فمبروك فعلاً، إنجاز لا يُستهان به وبالنجاح للجميع.

خصوصية الناصرة

للناصرة مكانة خاصة على كافة الأصعدة، فهي نقطة لقاء ثقافي حضاري ديني سياسي واقتصادي دائم ومتجدد. فالناصرة هي بلد يتراكم فيها التاريخ فيحيك تفاصيل الحياة الحالية مع أحداث مرت عليها مئات والآف السنين. ففي الناصرة لا يمضي التاريخ بل يحيا ويتجدد وينبض في عروق أهل البلد، في اشجارها واورقتها كأنه حدث بالأمس.

وللناصرة مكانة خاصة في التاريخ الحديث، فهي المدينة الباقية، هي المدينة الحاضرة الغائبة، فمن جميع المدن الفلسطينية المنكوبة الناصرة هي المدينة الفلسطينية الوحيدة التي بقيت، بقيت عربية ولم يدخلها اليهود، لم تُهدم ولم تُهجر، ولم تتحول الى "مدينة مختلطة"[1]. البعض قد يقول انها ليست مدينة، بل اشبه بقرية تضخمت، او مجموعة قرى أجتمعت معًا وأنتجت مخلوقا مشوها، أو انها اشبه بمخيم لاجئين كبير، الا أنني لا أرى صحة أي من هذة التوصيفات، وإن كانت الناصرة أصغر المدن الفلسطينية وأكثرها دونية في عصر الإنتداب البريطاني، الا انها عاشت الحرب وسُلخت بين ليلة وضحها عن شبكتي المدن الفلسطينية والمدن العربية المحيطة والتي أرتبطت بها بشكل عضوي وكان لها دور اساسي في حياة المدينة وحياة أهلها. فالناصرة ليست فقط مدينة عربية فلسطينية باقية، بل هي مدينة منكوبة ومبتورة وإن صح فوجب التعامل معها كمدينة مرت عليها حرب (post war city)، وافضل الترجمات لهذا المصطلح هو "مدينة منكوبة" لكن كلمة "النكبة" باتت تحمل معنى سياسي محدود فقدت من خلاله معناها الاوسع وفقدنا معه معنى "المدينة المنكوبة" ومعنى "المجتمع المنكوب".

فماذا نتوقع من مدينة بعد حرب؟ ماذا نتوقع من "مدينة منكوبة"؟ هل نتوقع أن نراها بأجمل حللها وبقمة زهوها؟!!! اليس من الأفضل أن نضمد جراحها ونطببها قبل ان ندفنها ونقبرها ونعلن بكل بفخر وأعتزاز شهادتها؟! الناصرة لم تمت بل بقيت، الناصرة لم تدفن بل انها حية ترزق بأهلها وبحاراتها، الناصرة ليست مخلوق مشوه بل هي وحيدة من نوعها لا تشبه أحد الا ذاتها. فربما لم تهدم بيوتها وربما لم يظلل شوارعها غبار حرب رمادي، إلا انها إستوعبت من الاجئين ما ضاعف عدد سكانها، وعاشت واهلها بعد الحرب ما يقارب العقدين من العزل والقمع والأضطهاد في ظل حكم عسكري، مبتورة عن محيطها الطبيعي وعن الحياة الإجتماعية والسياسية والأقتصادية والثقافية وحتى العلمية فيه[2]، معزولة عن العالم، تضمد جراحها بذاتها وتطبب نفسها بنفسها. ما يقارب العقدين في ظل نظام حكم عسكري أستبدل فيما بعد بنظام أبرتهايد ولهذة الظروف جميعها ابعاد ومعاني عميقة افرزت المدينة كما نراها اليوم. 

وللسؤال هل الناصرة هي مخلوق مشوه؟ ببساطة يمكن القول أن معايير "التشويه" هي افكار بشرية يطلقها البشر على كل ما عجزوا عن استيعابه، وقد تكون نكبة الناصرة وبقائها وما آلت اليه وما هي عليه اليوم كلها أمور نعجز عن أستيعابها وتفسيرها فنعتبرها مخلوق مشوهه.

كمدينة منكوبة عانت الناصرة في الدولة الصهيونية من سياسات تمييز ومصاردة اراضي ومحاولات طمس وجودها السياسي والأجتماعي والإقتصادي العربي "الشاذ" في المشهد الإسرائيلي العام وفي مشهد "المدن المختلطة". فالناصرة مدينة ليست ككل المدن، فكمدينة عربية هي تشبه المدن العربية بسوقها واحيائها وخاناتها الا انها تختلف عنهم بانعدام الأسوار القديمة وبالوجود الرحب للمؤسسات الدينية المسيحية فيها. وكمدينة فلسطينية هي مدينة مُخضرمة، عاشت النكبة وبقيت، بقيت عربية وبقيت فلسطينية بالرغم من نشاز المشهد العام حولها. وكمدينة في إسرائيل هي مدينة عربية، وكمدينة عربية هي مدينة في إسرائيل.

أهمية المدن في حياة الشعوب وأهمية الناصرة في حياة المجتمع الفلسطيني

للمدن عامة أهمية في حياة الشعوب، (وليس للمدينة أفضلية على الريف او القرية الا أن طابعها والديناميكيات المتواجدة في كل منها تختلف ولكل منها حسناتها وسيئاتها، وكما هي المدينة مهمة في حياة الشعوب كذلك هو الريف مهم ولكل منهم دور مختلف لن اتوسع به هنا)، فالمدينة تجمع اعداد كبيرة من المختلفين من البشر ويزيد الإختلاف كلما أزداد العدد، وبعكس العائلات، والعشائر فهي جماعات (Communities) تنقسم الى أثنين عند بلوغها حجم معين، المدينة تجمع عدة جماعات الى جانب ما تساقط منهم من أفراد لتحولهم الى مجتمع (Society)، وهي غير محدودة مبدائيا من حيث العدد. من هنا فإن الإختلاف النابع من وجود عدد كبير للأفراد في المدينة (مقارنة مع ما لا تستوعبه الجماعات من اعداد) يحتم أنبثاق ثقافة سياسية (رسمية او شعبية) وآليات عملية تجمع بين المصالح العامة المشتركة لأفرادها من خلال أنظمة سياسية إجتماعية إقتصادية وثقافية تعتمد على الفردانية المشتركة للجميع وليس على الإنتماءات الجماعية وتحول جماعة الأفراد في المدينة ومجموع الجماعات والطوائف فيها الى مجتمع.

هذة السيرورة لبناء مجتمع فلسطيني في إسرائيل قد تحدث في الناصرة إلا انها ولعدة اسباب لن تحدث في أي مكان أخر في أسرائيل. من هنا فإن الناصرة كمدينة فلسطينية في إسرائيل لها دور مميز في بناء المجتمع الفلسطيني في الداخل، فالمدن الفلسطينية الأخرى تحولت الى مدن مختلطة، تجمع بين افراد لاجئين فتحولهم الى "جماعة عربية"[3] في مدينة اسرائيلية عربية-يهودية. ويصح هذا ايضاً على "اللاجئين الجُدد" او المهاجرين من شباب وطلاب عرب الى هذة المدن بحثًا عن العلم وعن المدينة. وتتعامل هذة المدن مع الوجود العربي فيها على اساس الفردانية الإسرائيلية، اي المواطنة، وليس على اساس فردانية منبثقة عن مجتمع عربي وثقافة عربية. وان كان هناك وجود عربي جماعي في هذة المدن فهو وجود طائفي (والطائفة هنا ليست  دينية)، ولأسباب عديدة لا يمكن لهذة "الطوائف" "العربية" أن تتحول الى مجتمع عربي.

والبعض يستعمل تواجد اللاجئين في الناصرة ما بعد النكبة كجماعات لينفي مدينيتها، إلا انني لا ارى صحة هذا ايضًا. فهاهي جماعة الطليان في نيويرك وغيرها تتجمع في حارة الطليان ال "Italian village"، والصينين يتجمعون في ال "China Town"، ولم يلغي هذا من مدينية المدينة. وكما يحدث هذا في نيويورك وفي مدن أخرى كذلك يحدث في الناصرة، فهذة هي طبيعة المدن تجمع بين أفراد وبين جماعات، وتجمع بين نقيضين لا يلغي اي منهما الأخر.

والناصرة في حالتها هذة، مدينة عربية فلسطينية في إسرائيل،  تنفرد بخصوصيتها عن كافة المدن الفلسطينية الأخرى. فهي تجمع بين الفردانية العربية الفلسطينية وبين جماعات عربية عديدة ومتنوعة لا تجمع بينها مدن اخرى. والإختلاف النابع من حجم المدينة، من عدد الأفراد فيها ومن تنوع الجماعات فيها هو هو منبع الحراك السياسي الذي لا مفر منه. اما في المدن المختلطة بنظامها الابرتهايدي فلا وجود، وليست هناك اي امكانية لوجود، مجتمع عربي فالوجود العربي فيها محصور في جماعة عربية واحدة، وبكلمات اخرى في طائفة عربية واحدة (متجانسة بنظر النظام)، وإن تعددت الجماعات العربية فيها فتكون مفصولة ومعزولة عن بعضها بشكل عضوي وبنيوي. اما الناصرة فلخصوصيتها ولتفردها كمدينة عربية بحتة، فيختلف الوضع فيها فهي توفر مساحة اللقاء، (وإن توتر، وربما من الطبيعي أن يتوتر)، ومساحة المساومة الإجتماعية والسياسية بين الأفراد وبين الجماعات، وتهيئ الظروف لإقامة وبناء مجتمع عربي فلسطيني، بالرغم من محاولات الطمس، في الدولة الإسرائيلية. مجتمع يعتمد بسياساته المحلية الرسمية والغير رسمية على المساومة والتوفيق بين الفردانية العربية وبين الجماعات العربية على اشكالها، ومساحة المساومة هذة لا توفرها اي من المدن الفلسطينية الأخرى.

طبعاً لا أغفل عن المناطق السكانية العربية الاخرى التي تحولت الى مدن بفعل المعيار التقني لعدد لسكانها، لكن بأعتقادي بأن قدرة هذة المدن على توفير هذا الحيز العربي للمساومة بين الافراد والجماعات محدودة جداً ولن يسعني التوسع بهذا هنا.


خطابات الإنتخابات المحلية في الناصرة

تميزت الإنتخابات المحلية في الناصرة التي أمتدت الى فترة تزيد عن الستة أشهر بتعدد وتنوع الخطابات فيها، وقد برز الخطاب الطائفي، الى جانب: خطاب ثقافي بطريركي، خطاب طبقي، خطاب ترهيب، خطاب اسلاموفوبي مكتوم، خطاب ديني إسلامي دعى للمشاركة في الإنتخابات والتصويت الى مرشح معين من خلال الشيوخ وأئمة المساجد. والى جانب هذة الخطابات البنيوية، (اي تلك التي لها اُسس في البنية الإجتماعية للناصرة)، برزت ثلاث خطابات ثقافية وهي: خطاب الوطنية والخيانة وقد برز هذا في قضية أصوات الجنود لكنه لم يقتصر عليها، خطاب المؤامرات وهو خطاب ثقافي سياسي عام يسود دول المنطقة وقد شاع فيها لضرب المعارضات السياسية وبرز في الثورات العربية إلا انه طالما أستُخدم لمحاربة النساء ولضرب الحركات النسوية.  والخطاب الثالث وهو خطاب العزة والكرامة، وهو خطاب ذو مرجعية وابعاد طبقية ويشبه الخطاب الإسرائيلي الداخلي بين اليهود الإشكناز وبين اليهود من أصول شرقية وقد برز هذا الخطاب بشكل واضح في بعض من خطابات الرئيس المنتخب علي سلام واخص منها خطابه في المهرجان الأختتامي للإنتخابات في الجولة الثانية، تجدونه هنا.

لن اتطرق الى تفاصيل هذة الخطابات هنا، فكل منها تكفي لبناء مسيرة مهنية اكاديمية طويلة وقد كنت قد تطرقت للبعض منها سابقًا، ولا بد من ذكرها وتدوينها حاليًا لضرورة الإشارة الى تركيبة وتعقيدة الموضوع، وفي هذة المقالة أود الوقوف على بعض الملاحظات بشأن خطابين لهم إسقاطات وتداعيات حالية على الحياة ما بعد الإنتخابات للنصراويين وللمجتمع الفلسطيني عامة.

1) ملاحظات حول الخطاب البطريركي وخطاب الفساتين النسوية[4]

لقد برز الخطابان النسوي ونظيره البطريركي، او النسوي-البطريركي كخطاب واحد، منذُ الجولة الأولى للحملة الإنتخابية متجليا بشخصين، شخص السيد علي سلام ومجازية التعبير الذي أطلقه على ذاته "أبو البلد" وتصريحاته المختلفة حول النساء ومشاركة النساء في الحملة الإنتخابية وفي الحياة العامة، وشخص السيدة حنين زعبي كأيقونة نسائية مرشحة للرئاسة[5]. وقد برزت كأحد ركائز هذا الخطاب ثنائية "النساء اللي قاعدات ورا" والنساء الأخريات التي لا بد وأن نفترض أنهن "قاعدات قدام". وهنا لا بد من الوقوف على مجازية التعبير والوصف والتمعن في الواقع بشكل اعمق. فعمليًا، "لا النساء اللي قاعدات ورا فعلاً قاعدات ورا، ولا النساء اللي قاعدات قدام قاعدات فعلاً قدام"! لكن وللأسف الشديد تلخص الجدل المحتدم في هذا الموضوع بضرورة "الإحترام الثقافي" "للأخر" "المختلف" اللي قاعد "ورا"، وبثنائية خطاب لم تقتصر فقط على "اللي قاعدات ورا" و"اللي قاعدات قدام" بل تطورت لتشمل "نحن" و"هن"، الغرب والشرق، الإستعمار والمُحتل، وامتزجت هذة الثنائيات بخطاب طائفي طبقي ديني اسلاموفوبي تخويني يضرب بعرض الحائط عزة وكرامة وإحترام كل نصراوي طاله جانب من الموضوع.

وهنا لا بد من القول ان إشكالية هذا الخطاب الثقافي الثنائي بأنه "يشيّئ" النساء عامة ولا يتطرق الى المعاني والأبعاد الاجتماعية والأقتصادية اليومية لمجازية الجلوس في الأمام او في الخلف. فالنساء يجلسن في الخلف اقتصاديًا ايضًا، ولهذا علاقة مباشرة في جلوسهن الفعلي في المقدمة او في الخلف وله ايضًا إسقاطات على حرية النساء وعلى قدرتهن بتحقيق ذاتهن بإستقلالية عن المنظومات الجماعية في المدينة وغيرها، بالإضافة إلى قدرتهم على الخروج من قفص القتل وهدر الأرواح على ايدي اقرب الناس لهن. وبلمح العين يحولنا هذا الخطاب الى "نحن"؛ الجالسات في المقدمة افترض، القيادة النسوية، المقتدرة اقتصاديًا، صاحبة الأنجازات "الكبيرة"، وعمليًا أي من نساء ال"نحن" هذا لم تبدأ من الخلف، انما ولدت في مقدمة ما او بمقربة منها، و"هن"؛ الأخريات، من المفروض ان أقول، المتوجب علينا إحترامهن وإحترام خياراتهن الثقافية وكأن النساء اللي قاعدات ورا "مش إحنا"، وكأن ثقافتهن غير ثقافتنا؟! ولا أجزم هنا الجلوس في الخلف او الأختلاط فحتى النسويات الغربيات، المُستعمِرات إن شئتم، انشئت وتنشئ مؤسسات منفصلة عن مؤسسات الهيمنة الذكورية، كما وانشئت النسويات السُمر مؤسساتها الخاصة المنفصلة عن المؤسسات الذكورية كما وعن المؤسسات النسائية البيضاء ومستقلة عنهم، وقد رأت كل منهن بإنفصالها ضمان لمساحة الحرية التي تدعمها وتقويها بدون تردد وتفسح لها المجال للتعبير والنمو والتقدم وتحقيق الذات. فتصوير الفصل كأجندة نسوية شرقية والدمج او الأختلط كأجندة نسوية غربية ما هو إلا تشيّئ للنساء وتسطيح لقضايهن السياسية الإقتصادية والإجتماعية لقضية ثقافية عينية بحتة تقتصر على مبداء "الإحترام الثقافي للأخر".

وطبعًا مبدأ الإحترام الثقافي هذا يتناقض مع توجه "اللا إحترام ثقافي" في كل ما يتعلق بقضايا قتل النساء داخل العائلة، ومطالبة المنظومة الكولونيالية الحاكمة بالقاء اشد العقوبات على المجرمين وتجاهل الخصوصية الثقافية والإحترام الثقافي لمعايير الشرف الشرقية، وكأن ثقافة الجلوس في الخلف بمعناه المجازي منفصلة تمامًا عن ثقافة قتل النساء داخل العائلة.
  
2) ملاحظات حول إستمرارية خطاب الإنتخابات الطائفي الى ما بعد الإنتخابات وخطورة تجذيره ومئسسة وجوده في البلد

اولاً لا بد أن اقول أن الخطاب الطائفي في الناصرة هو أثم كافة الأطراف المشاركة بالإنتخابات وتمثل 83% من أهل الناصرة على افرادها احزابها وطوائفها. وبينما وعدت جميعها بالتغيير عجزت جميعها عن قراءة الأحداث وتحليلها خارج سياق البنية الطائفية للمجتمع. ومن هنا فقد قامت جميعها، وأستثني من هذا حركة شباب التغيير، ببناء خطابات سياسية وفقًا لهذة القراءات ووفقًا لتوقعاتها، فكان لا بد لهذة الخطابات أن تكون طائفية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتنافس الجميع على صوت الناخب تنافس طائفي بحت أختزله وعجز عن رؤيته بكامل كينونته اللاطائفية. وحُشِدَ الشارع طائفيًا وأسقطت الأحزاب بقياداتها السياسية على الناصرة وعلى اهلها عجزها السياسي والأخلاقي ومحدودية بصرها وقلة مسؤوليتها وعماها الطائفي، لتضعنا جميعًا في قفص الطائفية وتحدنا وتحد أحلامنا وتوقعاتنا من هذة البلد وتحد من قدرتها على تمكيننا من تحقيق الذات فيها. وعلى غرار الخطاب البطريركي-النسوي إتبعت جميعها مبداء "الإحترام الثقافي" للطائفية المتجلي بمقولة: اذا شعبك طائفي، فخاطبه طائفياً!!!

وتنعكس طائفية الخطاب السياسي لهذة الأحزاب في عدة امور منها:
1) التركيبة الكلاسيكية للمقاعد الثلاث الأولى في كل الأحزاب التي من المفروض أن تضمن مسيحي واحد على الأقل لا أكثر، تجدونه عادة في المقعد الثاني (رامز جرايسي في الناصرة وعزمي بشارة في التجمع هم حالات أستثناشية  لن أتوسع بها هنا).
2) شخصيات دينية تتبوء مناصب سياسية وهمية او مبهمة، راجع على سبيل المثال لا الحصر دور المطران رياح ابو العسل في الأنتخابات الأخيرة ولقبه كسفير لبلدية الناصرة.
3) شخصيات دينية من شيوخ، راهبات، كهنة وبطاركة تتصدر صور ومرئيات الحملات الإنتخابية.
4) مقالات صحفية تخاطب الناخب ب "أخوتي المسيحيين"، ومقالات اخرى متعاقبة تنتقض الجبهة التي باتت تُعرف بحزب المسيحيين[6]، وقد صدرت هذة المقالات عن شخصيات مسيحية وظهرت بشكل مكثف في فترة زمنية قصيرة إشتد فيها التناحر الطائفي.
5) أضف الى هذا خطابات وتبريكات الشيوخ والمطارنة السياسية في البداية وفي النهاية والتي لا بد منها لحفظ التآخي والسلم الأهلي في بلد شرذمته طائفية السياسيين والكُتل السياسية.

وما هذة الطائفية والإحترامات الثقافية سوى إنعكاس لعجز القيادات السياسية عن القيادة، فقد تكون هذة الشخصيات سياسية لكنها ليست بقيادية ابدًا فهي منقادة ولا تقود، تسعى للشعبية وللوجاهة وتنجر وراء الشارع على آفاته دون أن تطرح بديل ودون أن ترسم صورة او أن تخط مسار للتغيير الذي تتغنى به فهي البديل بشخصها وهي التغيير بذاتها ولا حاجة لكم بأكثر من ذلك.


تنشر المدونة بالإعتماد على المجهود الشخصي للقُراء الذين يقومون بإرسالها الى اصدقائهم ومعارفهم ممن قد يعنيهم الموضوع. إن وجدتم بهذة المقالة محط إهتمام لشخص او لفئة ما الرجاء ارسالها لهم، ففي عصر الشبكات الإجتماعية نقراء ما يرسله الأصدقاء.

[1]  حيفا ويافا والرملة واللد وعكا وقد يصح ذلك على بئرالسبع ايضاً، جميعها مدن فلسطينية تحولت تحت نظام كولونيالي أبرتهايدي، للمفارقة، الى "مدن مختلطة". ومصطلح "المدن المخنلطة" هو مصطلح حصري لإسرائيل، حيث أن طبيعة المدن في العالم أن تكون مختلطة، اما في اسرائيل فطبيعة المدن أبرتهايدية، ومن خالفت ذلك من المدن نعتت بالمختلطة.
[2]  القراءة في السير الذاتية لبعض ابناء الناصرة تشير الى واقع قد لا يفاجئنا بالمعلومة الا انه يستحق التمعن في هذا السياق. فالعديد من ابناء الناصرة اعتادوا الدراسة في الجامعة الامريكية في بيروت والعودة لزيارة الأهل في نهايات الاسبوع، حركتهم هذة بين الناصرة وبيروت وحركة التُجار بين الناصرة ومدن اخرى هي حركة للناصرة ذاتها على كافة الأصعدة. فالشهادات العلم الثقافة والبضائع التي أعتادت الناصرة أن تستقبلها مع عودتهم الطلاب والتجار كانت تعود بالفائدة على الناصرة وعلى حركة التجارة والصناعة فيها وعلى اهلها وعلى كافة الجليل. وقد توقفت هذة الحركة بعد الحرب، فالتجار والطلاب وكل من بممارساته اليومية كان جسراً أجتماعيا وثقافيا بين المدن والبشر، علقوا بعد الحرب اما هنا او هناك، وتجمدت الحركة وتوقفت، والافضل ان نقل بُترت للتعبير مجازياً عن النزيف المرافق لهذا الإنقطاع.
 [3]  "מגזר ערבי" (ميجزار عربي)، وتعني "الوسط العربي"، وهو النهج الإسرائيلي السائد في التعامل مع الفلسطينيين في الداخل ك "وسط عربي"، اي ك "طائفة عربية" والطائفة هي جزء من كل، وهذا هو ال "ميجزار".
[4]  الأسم مستوحى من مقالة السيدة أفنان أغبارية بعنوان "حول تفصيل فستان نسوي ملائم لمعاييرنا.." تجدونه هنا.
[5]  أيقونة بمعني figure و image.
[6] بالرغم من أن الغالبية العظمى في الجبهة ليست مسيحية، لكن القراءات السياسية الطائفية تدل على أن غالبية المسيحيين يصوتوا للجبهة. والبديل للجبهة حتى الإنتخابات الأخيرة، هم الحركة الإسلامية او احزاب صهيونية، فمن الطبيعي جداً في هذة الحالة ان تصوت غالبية المسيحيين للجبهة بدون أي علاقة لنسبة المسيحيين فيها؛ لكن في كل الحالات يرشق المسيحيين بالخيانة وفي هذا حديث أخر لا مجال للخوض به هنا. وفي السياق ذاته، فحتى "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يرى بذاته نداً للجبهة لم ينجح بطرح بديل خارج السياق الطائفي فقد أختار اللحام (شخصية مسيحية) لرئاسة قائمته في جولة أنتخابية سابقة بالرغم من ان المسيحيين أقلية في الناصرة، وعوني بنا لاحقاً (مسيحي أيضاً) في محاولة منه لإجتذاب اصوات المسيحيين التي يُفترض أن الجبهة تعتمد عليها. ولأخفاق التجمع في الناصرة أسباب عديدة أخرى لا مجال للتطرق لها هنا.

لغة، هوية وخطابات تحرر

ارفق مقالين في موضوع اللغة وخطابات التحرر. وقد كنت قد كتبت "خطاب التحرر" إلا أنني سريعاً ما ادركت ان للتحرر طرقه المختلفة فتحولت الى التعددية وكتبت "خطابات التحرر"، وما لهذا الانتقال الا أن يعبر عن مدى تركيبة الموضوع.

المقالات المرفقة تفتح أسئلة اكثر مما قد تحمل اجوبة. تعريب الخطاب التحرري النسوي والمثلي ليكون اصيل وعضوي في المجتمعات العربية من جانب، ام تواصل مع الخطاب العالمي بلغته المهيمنة وثقافته من جانب اخر، وفي كلا الحالتين لا بد من طرح السؤال بأي مدى يكون اي من الخيارين تحرري للأقليات الاثنية في المجتمعات العربية؟



الاغتراب باللغة - ثورات أجندات وتابوهات لغوية (نسرين مزاوي، قديتا، مارس 2012)


نحو نقد الخطاب النسوي العربي (ابتهال محادين، حبر، مارس 2014)


نقاش يبدو انه سيبقى مفتوح لكنه مهم لذاته للوقوف على معاني وابعاد الخيارات المختلفة. 


"انا ما ببيع..." - ضبابية الخطاب القومي في الداخل وخطورته على الشباب الوطني


تحت عنوان "نرفض خدمة جيشكم.. نتجند لشعبنا" انطلقت منذ اسبوعين تقريبا حملة اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي لمناهضة تجنيد فلسطيني الداخل للجيش الأسرائيلي وللخدمة المدنية.  وهذة الحملة على اهميتها وضرورتها الا انها اثارت لدي بعض التحفظات التي لا بد من تدوينها.

اولا اود ان احيي القائمين على هذة الحملة وعلى روح المبادرة والطاقات الشبابية وعلى الالتزام بالقضايا الوطنية وعلى رأسها قضية التجنيد والخدمة المدنية التي تستهدف فئة الشباب بالذات. ثانيا ليس ما سيأتي من تحفظات او من نقض للطعن في مصداقية الحملة او في حسن نوايا القائمين عليها انما لفتح باب النقاش حول المضامين والرسائل المباشرة والغير مباشرة للحملة مما سيؤدي حتماً، كأي نقاش موضوعي، الى تطوير الأفكار والحراك الوطني الشبابي والسياسي والعام.

طبعا الجملة التي استوقفتني هي جملة: "انا ما ببيع..." وان دل هذا على شيئ فانه يدل على خيار جيد لجملة افتتاحية او لشعار لحملة اعلانية، لكن للأسف لم تستوقفني هذة الجملة استحباباً انما تحفظاً لما تحويه من "انتماء"، قد يقول البعض، أو "تعصُّب"، "انغلاق" و "ولاء جماعي جارف"، قد يقول آخرون، وهم وجهين لعملة واحدة.

قد يقول البعض انها مجرد حملة، وبمجرد الحديث عنها ونقاشها فهذا يدل على نجاحها، لكني لست بصدد تقييم نجاح او فشل الحملة من حيث عدد المتحدثين فيها فهذا معيار يصح للأعلانات التجارية، اما بالنسبة للحملات الاجتماعية او السياسية فلا بد أن تُقيم بحسب الافكار التي تستنبِطُها الحملة في أذهان القارئين وبحسب القيم والافكار التي تزرعها في رؤس اليافعين منهم. وبما أن الحملة شبابية وتستهدف الشباب المتحمس فلا بد من التعامل بحذر وبمسؤولية مع الأفكار والرسائل المباشرة والمبطنة التي نزرعها في رؤوس هذة الفئة الواعدة من المجتمع.

الجُمل "انا ما ببيع ثقافتي"، "انا ما ببيع تاريخي"، "انا ما ببيع شعبي"، "احنا ما منبيع لغتنا"، "احنا ما منبيع قوميتنا"، "احنا ما منبيع بلدنا"، "انا ما ببيع ضميري"، كلها تستحضر في ذِهن القارئ المحلي جمل مشابهة متداولة وشائعة وهي "انا ما ببيع ديني"، "انا ما ببيع امي"، "ما ببيع ابي"، "ما ببيع اخي"، "ما ببيع عائلتي، صديقي، رفيقي، ابن عمي" والخ، ونعلم جميعا أن جمل كهذة تُنتهي عادة ب "حتى لو..." فلا بد أن نسأل حتى لو ماذا؟ ولماذا تقتصر الحملة على الولاء بينما تهمل حدود هذا الولاء؟ وهل هناك خطوط حمراء اصلاً لهذا الولاء ام انه غير محدود؟!

بالاضافة الى الانتماء والولاء الجماعي الغير محدود (فالجماعة كما يبدو فوق كل شيئ) لا بد من الوقوف على القيم المبهمة التي تروج لها هذة الحملة، فماذا لو جاءت هذة الجمل على لسان اشخاص غير فلسطينيين كيف ستقع على آذاننا وكيف سنتعامل معها؟

ماذا لو سمعنا فرنسي يقول، انا ما ببيع بلدي... حتى لو كلفني ذلك اغراق عشرات السفن ومئات اللاجئين في عرض البحر!
ماذا لو سمعنا امريكي يقول، انا ما ببيع ثقافتي (ثقافة الماكدونالد وثقافة تلويث العالم وثقافة الأستهلاك بدون حساب)... حتى لو كلفني ذلك دمار العالم!  
ماذا لو سمعنا الماني يقول، انا ما ببيع قوميتي... حتى لو أضطرني ذلك طرد كل من هو ليس الماني خارج البلاد؟

وماذا لو سمعنا اسرائيلي يقول، انا ما ببيع شعبي\دولتي\ديني\ما وعدني به الرب من مقدسات... حتى لو...أضطررت الى قتل كافة الفلسطينيين مثلاً؟؟؟!!!
ألا يشغل بالك عزيزي القارئ "حتى لو ماذا"؟ وماذا تتوقع؟ هل تتوقع من الاسرائيلي أن "يبيع"؟؟ هل تتوقع من الاسرائيلي ولاء أعمى للجماعة والمقدسات الأسرائيلية ام تتوقع منه أمرٌ أخر؟ وهل لك الحق ان تتوقع منه أمر أخر؟ وإن اساء الخيار ووقع هو في الخطاء فهل تحذو خلفه؟؟ وكيف ستتعامل عزيزي القارئ مع الفلسطينيين إن كنت انت اسرائيلياً؟ هل ستحافظ على دولتك وشعبك ودينك ومقدساتك حتى لو...؟ حتى لو ماذا؟؟؟

لماذا يصح لنا ما لا يصح للأسرائيلي وللفرنسي والأمريكي والايطالي؟ لماذا نحرم على الاخرين ونحلل لأنفسنا؟؟ ما هي القيم التي لن تتنازل عنها عزيزي القارئ بأي ثمن؟ ما هي القيم التي تتوقع من الفرنسي او الأمريكي او الإسرائيلي أن لا يتنازل عنها باي ثمن؟ ما هي القيم التي تتبعها وتحدد مسارك وخيارك السياسي وفقا لها؟ هل هي قيم تصح لكل البشر ام انها قيم خاصة بالشعب الفلسطيني وبما حَللَ وحَرَمَ لذاته؟ للأسف الشديد ان هذة الحملة لا تنشغل باي من هذة الأمور، كما ولا تريد لك ان تنشغل بها، فكأنها تقول "خلي بالك فاضي، المهم ما تبيع".

وطبعاً شتان ما بين الهوية والإنتماء لجماعة معينة كخيار سياسي وبين الهوية والإنتماء كقيمة "مقدسة" قائمة بحد ذاتها (ما بتنشرى وما بتنباع). فمن الفرضيات العقلانية الأساسية في السياسة هي عدم وجود "مقدسات"، فالمقدسات او القيم المقدسة تُحفظ من خلال الدستور وهي ليست خيار شخصي لهذا او ذاك انما هي قيمة اساسية "مقدسة" مفروضة على الجميع او تحق للجميع ولا يمكن لاي مسار او خيار سياسي المس او التداول بها. وهنا لا بد من التدقيق ومن التمييز بين الهوية والإنتماء كحق عام لكل انسان، وبين الهوية والأنتماء لجماعة بذاتها كخيار سياسي يعتمد على الحق وليس العكس. فالخيار السياسي يعتمد على الحق لكن الحق لا يُشتق منه. الا أن الحديث عن الإنتماء الى ثقافة ولغة وتاريخ وقومية وبلد بعينها كأمر "مقدس" (ما بنشرى وما بنباع) يُبطل الفرضية الأساسية في السياسة (وهي عدم وجود تابوهات\مقدسات) ويفرغها من عقلانيتها ويحول المقدس الى دنس والدنس الى مقدس، فتتحول الثقافة والجماعة الى "مقدسة" بينما يترك الحق (في الإنتماء او اللا إنتماء) ويتحول الى امر مفهوم ضمناً مفروغ منه ومفروض على الجميع بدون اي حق في اي خيار.

بالإضافة لا بد من الوقوف على أن التعامل مع اللغة والثقافة والتاريخ والقومية والبلد كأمور "مقدسة" او كقيم قائمة بحد ذاتها يتنافى ويتناقض مع طبيعة وجوهر هذة الأمور فهي كلها امور مرنة، متغيرة، ديناميكية حية وموجودة في مسار تجدد دائم ومستمر. فاللغة الفرنسية كما العربية وغيرها ليست ما كانت عليه قبل 500 عام، كذلك الهويات الجماعية والرويات التاريخية والدول والبلدان اي منها ليس ما كان عليه منذ مدة، وليس اي منها "مقدس" او ثابت، كلها "حية" (غير الآهية) وبطبيعتها دائمة التغيير، وكطبيعة الحياة فهذة الأمور ليست محصورة او معزولة عن مؤثرات بفعل الزمان او المكان، وكباقي الثقافات واللغات والقوميات والروايات التاريخية فهي "متأثرة من" و"تُأثر على" فكيف نُعلن ولاء صارم بحت وصلب الى أمور "حية" بطبيعتها ودائمة التغير والتجدد؟!

طبعا هذة الحملة موجهة لفئة الشباب، لكن للاسف الشديد بأعتقادي أنها تسيئ اليهم والى المجتمع عامة اكثر من اي امر أخر. فبواسطة جملة "انا ماببيع..." يُختزل الخطاب السياسي مع شريحة الشباب ويُحصر في ثنائية الولاء والخيانة وبهذا يُطالب الشباب الفلسطيني بالداخل بإعلان الولاء لمقدسات "دنسة" (وربما إشتُقت هذة القداسة من قداسة الخصم الاسرائيلي لثقافته وهويته وقوميته، وربما اشتق الولاء من مطالبتنا بالولاء للدولة فنرد باعلان الولاء لمُقدسٍ أخر). اما ثنائية الولاء والخيانة فهي (كثنائية الجنة والنار) تشل التفكير المستقل لدى الشباب وتحد من "ملعبهم السياسي"، ومن قدرتهم على تحدي ومواجهة القيم والمبادئ السياسية التي يتخذونها ومن قدرتهم على تطوير طرح وخطاب سياسي متين.

طبعا لا اقلل من أهمية الهوية والأنتماء وبالاخص اننا نعاني من اضطهاد على خلفية أنتمائنا القومي (وقد كتبت في هذا سابقاً)، لكن شتان ما بين الوعي السياسي لدور الهوية والأنتماء وبين التعصب والإنغلاق والولاء الجماعي المتجسدين بجملة "انا ما ببيع..". فماذا إن تطورت الجماعة الى ما لا تهوى والى ما لا يرضي ضميرك؟ لاء طبعاً "انا ببيع". وبكلمات اخرى غير مبطنة بالتخوين "اتنازل"، طبعاً أتنازل. أكيد ولا شك فيه أنني سأتنازل عن الجماعة التي لا يتماشى نهجها مع قيمي ومعايري واخلاقي وضميري. سأتنازل عن عائلة تتنازل عني وسأحفظ عائلة تحفظني، سأتنازل عن كنيسة لعنت البشر وسأحترم كنيسة تحترم روح الله الموجودة فيهم، سأتنازل عن ثقافة لا تحترم النساء وسأحفظ منها ما يحفظ إحترامي وكرامتي، سأتنازل عن قوم ضلوا طريقهم وسأساند أخرون في مسار نضالهم نحو الحرية.

وبين اختزال الخطاب السياسي والترويج للعصبية الجماعية يبقى للشباب الذي استهدفته الحملة ان يبحث بذاته وبقواه الشخصية عن المعايير والقيم التي سيتبعها (وقد يجدها هنا او هناك)، ففي صراع القوة الفارغ الذي انزلقت اليه الحملة بين "ببيع.. وما ببيع.." بقي الشباب الوطني، المهدد بالتخوين الدائم، هائم على وجهه كالجندي مطالب بأدنى مستويات المشاركة السياسية، الا وهي الولاء الجماعي والانصياع لمن شابهوا "شيوخ الوطنية" وشابهت معاييرهم "فتاويهم" بضبابيتها وبفراغها وبقابليتها للتأويل الى هنا وهناك بحسب اهواء ومصالح رب الجماعة.