أزمة النفايات في كفركنا هي أزمة القرى العربية بأكملها فكفركنا والرامة وسخنين وقلنسوة ودالية الكرمل وغزة وغيرها، تغرق في النفايات وما تجلبه علينا من آفات ومضار صحية كلما ضاق الحال في السلطات المحلية ونفذت الميزانيات وتراكمت الديون أو كلما أشتد أزر الاحتلال.
رد الفعل الأولي لمن ضاقت بهم الأمور هو حرق حاويات النفاية فيكيل لنا الصاع صاعين فمن بين ما يحرق مواد بلاستيكية ومواد سامة تطلق غازات وغبار ساميين نتنفسهم مباشرة مع الهواء. آخرون قد يستأجرون مقاول خاص لنقل النفايات فيجدونها نقلت إلى حافة الطرق العامة أو إلى مداخل البلد.
لن أتطرق هنا إلى أزمة النفايات العالمية ولا إلى أزمة التخطيط لمواقع كب النفايات في البلاد فمنها الغير قانوني ومنها نتاج سياسات عنصرية قد يقع على مقربة من الأماكن السكنية، ومنها إهمال فيقع فوق مصادر المياه الجوفية ويشكل خطر لتلوث هذه المياه. ولن أتطرق أيضاً إلى أزمة النفايات الصناعية ونفايات البناء بل سأتطرق إلى مصدر المعاناة اليومية للسكان وهي أزمة تراكم النفايات البيتية في شوارعنا وأحيائنا وسأقوم بطرح حل عيني سريع بسيط يمكن تطبيقه اليوم وتكلفته صفر شواقل بل أكثر من ذلك فمن الممكن تخطيط الأمر بشكل يعود بالمردود المادي على بعضهم وبالأخص على السلطات المحلية التي يمكنها توفير نفقة التخلص من النفايات أولاً ومن ثم تحويلها من عبئ مادي إلى مصدر دخل، فعسى أن تقوم أحدى القيادات السياسية والمحلية بتحرير القرى العربية من نفاياتها.
لكي نستطيع مواجهة هذه الأزمة لا يمكننا بعد التعامل معها كرزمة واحدة بل يجب علينا أولاً أن نفهم مركباتها ثانيا أن نبحث عن طرق بديلة بالأخص بعد أن أثبتت الطرق النمطية فشلها والسؤال الأول الذي يطرح نفسه هو ما هي محتويات حاويات القمامة؟
المركب الأول للقمامة هو مواد طبيعية عضوية وهي الناتجة عن مخلفات الطعام مثل قشور وبقايا الخضار والفاكهة واللحوم والبيض وما شابه وهو ما يجذب الحشرات وحيوانات الشارع إلى القمامة بحثاً عن الطعام وهو العامل المسبب للأوبئة وللروائح الكريهة.
أما المركب الثاني فهو كل المواد الصناعية التي تستعمل لتغليف وصيانة المواد الغذائية وغيرها من سلع وبضائع مثل النايلون والبلاستيك بالإضافة إلى غيرها من كرتون وخرق وأشلاء، هذه المركبات هي مصدر الغازات السامة التي تطلق إلى الهواء في حال حرق النفايات. وطبعاً لا ننسى بعض المنتجات التي تحوي المواد الكيماوية السائلة مثل البطاريات وعامة يجب جمعها شكل منفصل وإرسالها إلى مكبات خاصة لكي لا تتسرب السوائل الكيماوية لهذة البطاريات الى الأرض وتكون ملوث اساسي للتربة وللمياه.
من المهم أن نعلم أن المركبات العضوية/الطبيعية للقمامة غير مضرة للبيئة وغير مضرة للأنسان حيث أنها تتحلل خلال فترة قصيرة نسبياً، (قشرة الموز تتحلل خلال شهر واحد) وبظروف هوائية (وجود الأكسجين) تتم هذه العملية بدون روائح كريهة، أما المواد الصناعية فتتحلل ببطء شديد وتبقى لفترات طويلة الأمد (بعض أنواع البلاستك تتحلل خلال ألف سنة وبعضها أكثر). وجود النفايات العضوية والنفايات الصناعية في ركام واحد متراص يقلل من الظروف الهوائية ويمنع الاكسجين من الوصول الى النفايات العضوية ومن هنا تبداء عملية تحلل لهذة المواد بطرق غير هوائية ووهذة العملية هي المسبب للروائح الكريهة والغازات الضارة التي تنتج عنها.
من المهم أن نعلم أن تركيبة حاويات النفاية تتغير بحسب مستوى المعيشة، فكلما أرتفع مستوى المعيشة تغير نمط الاستهلاك وأعتمد أكثر على الغذاء المصنع المغلف على الأغلب بغلاف مزدوج وبنمط الوجبات الفردية، نتيجة لذلك تزداد المركبات البلاستيكية في سلة الاستهلاك وكذلك في سلة النفايات، وكلما أنخفض مستوى المعيشة وأزداد الضغط الاقتصادي على العائلة نجد تغيير في نمط الاستهلاك الذي يتوجه أكثر للاعتماد على الطعام الغير مصنع وينعكس ذلك في تركيبة سلة النفايات فتنخفض نسبة المواد البلاستيكية بينما ترتفع نسبة المركب العضوي للنفايات.
إن قضية النفايات هي قضية عالمية وليست فقط قضية قرانا العربية فجال العالم وتطور ووجد الحل! تقليص كمية النفايات وفصلها في المصدر، وهو أمر قام به أبائنا وأجدادنا فلماذا لا نقوم بذلك أيضاً.
بما إن النسبة الأكبر من النفايات في القرى العربية هي مواد طبيعية عضوية فيمكن بسهولة أعادة هذه المواد إلى الأراضي الزراعية أو إلى الحدائق البيتية أو مع بعض التنسيق مع السلطات المحلية إلى الحدائق العامة أن وجدت، ولا يحتاج الأمر الكثير من الجهد إنما فصل النفايات في المنزل وكل ما ينتج عن الخضار والفاكهة وفضلات الطعام يمكن إعادته إلى الحديقة مما يثري التربة ويعيد إليها جودتها وخصوبتها ولا أشمل في الحديث منتجات اللحوم. النتيجة المباشرة لعملية الفصل هذة هي انعدام الروائح الكريهة من سلة القمامة البيتية، ناهيك عن حاويات القمامة في الأحياء وبما في ذلك ما يرافقها من أفات ومضرات، أما النتيجة الثانية فهي انخفاض كمية النفايات في الحاويات وانخفاض تكلفة جمعها ونقلها إلى مكب النفايات.
أما بالنسبة لما تبقى من النفايات، فهي مواد صناعية وان تراكمت فلن تجتذب الحيوانات والحشرات ولن تكون مصدر للأوبئة والآفات ويمكن الأمتناع عن حرقها والانتظار إلى أن تقوم السلطات بتسديد ديونها أو إلى أن تقوم بعملية تنظيم أخلاء النفايات وتدويرها إن شأت وقد يعود عليها ذلك ببعض الدخل فبعض الشركات اليوم تقوم بشراء هذه المواد (النفايات) تدويرها أي إعادة تصنيعها واستعمالها كمواد خام تدر عليها الربح المادي.
وللختام، بالاعتماد على معطيات وزارة البيئة، تكلفة التخلص من النفايات التي تتكبدها السلطات المحلية وتشمل تكلفة جمعها ونقلها إلى المكبات العامة تتراوح بين 850–920 شاقل للطن حيث أن 10-50 شاقل للطن هو تكلفة الطم أما القسم الأكبر فهو تكلفة جمع ونقل هذه النفايات.
معدل إنتاج النفايات في البلاد هو 1.7 كيلوغرام للفرد في اليوم، فعلى سبيل المثال بلدة ذات 5000 نسمة تنتج يومياً 8.5 طن نفايات، ما يقارب 40 % منها هي نفايات عضوية وقد تزداد هذه النسبة في القرى والبلدات العربية. تكلفة نقل وطم القسم العضوي/الطبيعي فقط من هذه النفايات لهذه البلدة يصل إلى 2,975 شاقل يوميا، 89,250 شاقل شهرياً وما يزيد عن المليون شاقل سنوياً. مبلغ تستطيع البلديات بواسطة عمل أهلي توفيره وتخصيصه الى امور أخرى.
بناء خطة إستراتيجية محلية تعتمد على عملية تربوية توعوية تشجع الاجتهاد العام والعمل الاهلي المشترك لتقليص النفايات في المصدر سوف تحرر القرى العربية من نفاياتها وقد تساعد السلطات المحلية على تقليص عجزها المالي بالرغم من سياسات التمييز والاضطهاد العنصرية، ناهيك عن كونها حل جذري لأزمة النفايات اليومية حيث يمكنها الحد من معاناة السكان ورفع جودة الحياة في قرانا وبلداتنا العربية.
وللنهاية لا بد لنا وللقيادات السياسية المحلية مواجهة سياسات التمييز والاضطهاد العنصرية بطرق خلاقة مبدعة وغير نمطية لتستطيع تحويل القمع والقهر والأضطهاد عن بلداتنا العربية.
© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية.