كيف تحولت "سلطة حماية الطبيعة" الى "شرموت هطيبع"، وهل هي فظاظة المقموع أم وقاحة المحتل؟!! - آليات بيئية أم آليات قمع واحتلال


"يوم قالت لي ام صلاح خذني عالزعتر ركبنا الحمار وطلعنا عالوعر لقطنا من هالموجود وحطينا في الخرج. شوي ولا جاي علينا جيب أخضر تبع شروموت هطيبع ونزل منه واحد وصاح: عتصور عتصور عتصور. ضربنا بريك عالحمار وعتصرنا. ابن الحرام صار يصيح علينا: ممنوع زعتر. ممنوع مرامية. ممنوع زوفا. يا خواجة هذا مليح للمعدة وهذا للآعصاب وهذا لوجع الراس، شو فيها جايبين شوي للبيت. لا، انت بيخرب طبيعة. انا بيخرب طبيعة؟ اخذ كل شيء لقطناه، اخذوني عالمحكمة ودفعوني الفين شيكل. بعد سنة شفت صورته في الجريدة فاتح مصنع للزعتر والمرامية، وبيقول هذا مليح للمعدة وهذا للاعصاب وهذا لوجع الراس. انا بيخرب طبيعة؟ أنا؟" (ذاكرة؛ سلمان ناطور خريف 2006)

وهذة ليست أول مرة يظهر بها هذا التعبير فمن منا لا يذكر كيف تحولت "رشوت شموروت هطيبع" الى "شرموط هطيبع" في فم المتشائل لأميل حبيبي 1974، "ولك أنا ابن الطبيعة" صرخ محمد بكري (سعيد أبو النحس المتشائل) في نهاية مشهد مشابه، وأذكر يومها كيف أختلط علي الضحك بالبكاء فقد كنت أعمل حينها في "سلطة حماية الطبيعة" مرشدة في المحمية الطبيعية "عين أفيك" أو محمية الكردانة الاسم العربي للمكان وهو أسم القرية العربية التي أقيمت على أرضها هذه المحمية!!!

وهل يكون هذا التعبير سخرية ومهزلة عابرة ترد للمقهور قليلاً من عزة النفس، أم أنها علامة لبداية انبثاق هوة بيننا وبين البيئة (بيئتنا) والطبيعة (طبيعتنا) حيث استعملت حجة المحافظة عليها كسلاح ضدنا في أيدي الغاصب المحتل.

سلبت الأرض وتحول جزء منها إلى مستوطنات وكيبوتسات وجزئها الأخر إلى محميات طبيعية غابات ومناطق خضراء. في ظل النظام العسكري منعنا من التجول الحر والتواصل مع الأرض والمكان وفيما بعد حولت الأعشاب البرية التي اعتمدنا تشكيلة كبيرة منها في غذائنا إلى نباتات محمية مهددة بالانقراض، غرست الأشجار لتخفي أثر القرى العربية المنكوبة ولتحاذي القرى المتبقية وتحد من امتدادها وتوسعها وكرست كل الوسائل والآليات بما فيها البيئية والطبيعية والتخطيطية لقصر الاغتراب وللسيطرة علينا وعلى ارتباطنا مع المكان.

في كتابه "מול היערות" 1963 يكتب أ.ب. يهوشوع عن معضلة حارس الغابة أمام العربي الذي يقاسمه وأبنته برج المراقبة حيث يجمع الأخر النفط لحرق الغابة فتُكشف أثار القرية العربية أو ما تبقى فيها من أثار، ويعتمد الكاتب بروايته واقع اليم ففي محاولة لمحو أثار القرى العربية المنكوبة تحولت صفورية ومعلول وميرون وغيرها إلى غابات صنوبر وسرو، ومن المهم ذكره أن هذه الأشجار هي أشجار ذات أوراق أبرية تنمو في المناطق الأوروبية الباردة خلافاً لطبيعة الأشجار في البلاد، وقد غرز المستعمر أشجاره متماثلة لحلم خيالي يسعى له مخالفاً ومضاداً لطبيعة المكان، وما يزيد الأمر من السخرية والأسى أن أشجار الصنوبر والسرو تستعمل في الدول الأوروبية لتزيين المقابر فها هي تغرز كأنها دليل قاطع على جرائم الاستعمار.

ولم يقتصر تسخير الآليات البيئية والخضراء على الحدائق الوطنية، المحميات الطبيعية، حماية الأعشاب البرية والتشجير، فبالإضافة إلى ذلك أنشئت الدوريات الخضراء التي تمنع السكان من الوصول إلى أراضيهم وفلاحتها، ورضخت آليات التخطيط والبناء واليات تنظيم الأراضي وتطوير الزراعة وتوزيع المياه، وظهرت القرى الغير معترف بها كمسطحات رمادية في خرائط التنظيم والبناء ومنع تطويرها وترميم البيوت الموجودة فيها أو مدها بالكهرباء الماء والمواصلات، واتسعت ظاهرة البناء الغير قانوني والغير مرخص وضاقت آليات التخطيط والقانون الديمقراطي من ضم القرى والمجمعات السكانية العربية.

ومازالت وزارة الزراعة تعتمد "الأليات العلمية البحتة" في توزيع الموارد فتُسيج المساحات المفتوحة وتمنع القطعان من الوصول إليها بدون تنظيم وتأشيرة دخول حيث تضمن الاستخدام الأنجع لصالح المردود العام وطبعاً يحصل من يحصل على التأشيرة ومن لم يحصل أ/يضطر لتقليص قطيعه أو لتصفيته وبيعه والعمل بالأجرة... وكل هذا من أجل الصالح العام، أما بالنسبة لمخصصات المياه فبشكل غير مفاجئ لا ينال المزارعين العرب حصة الأسد من هذه المخصصات وتفرض عليهم سلة محدودة من المزروعات وبهذا يتم إقصائهم عن عملية الإنتاج.

خلال سنوات وجودها قامت الدولة كأي دولة استعمارية بتطوير البلاد والتوسع في بناء المستوطنات وشق الشوارع لتسهيل وتعزيز السيطرة على الأرض بالإضافة إلى ذلك قامت باستعمال آليات بيئية للحد من توسع العرب، السكان الأصليين للبلاد، ولشد زمام الأمور والقبضة الحديدية على ما تبقى من الأرض، فاستعملت الآليات البيئية والطبيعية والتخطيطية ضد السكان العرب واتهمتهم بعدم الانتماء والاغتراب عن البيئية والطبيعة ونكرانهما، وبالمقابل قامت بتعزيز الانتماء الصهيوني المصطنع بواسطة زرع حب الطبيعة والتجوال في المكان، أما نحن فقمنا بدورنا بتذويت هذا المفهوم وأصبح واقع حيث دونت القضايا البيئية في أسفل سلم اهتماماتنا وكرهنا وعادينا كل ما جاء باسم الطبيعة أو البيئة أو مت لهما بصلة وتمت عملية الانسلاخ بشكل مستباح فسلبت منا البيئة وسلب منا الانتماء وتحولنا مغافلة إلى الساحة الخلفية للدولة تلقى فيها جميع المخلفات والمهملات، وما زلنا نستخف بالقضايا البيئية وندونها كقضايا ترف ورفاهية تشغل من هو ميسور الحال وفاضي البال.

© حقوق النشر محفوظة

نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية.