كثير من الشباب والصبايا اليوم تشغلهم قصة الخدمة المدنية، بعضهم بفكر فيها وبقول "ليش لا؟ا ممكن عن طريق الخدمة المدنية أن احصل على حقوقي، وممكن عن طريق الخدمة أتعلم شغلي أستفيد منها وأفيد مجتمعي"... وانا بقولك صحيح بس القصة أكبر من كيف انت مفكر.
أول شيئ هاي الخدمة المدنيةَ (وحتى لو ما وصلت للعسكرية) عم بتم في سياق دولة يهودية، من هون فأنه هاي الخدمة بتبني عند الفرد اليهودي انتمائه الجماعي لمجموعة هي في الأصل غريبة عنه وبتصقل كيانه في كيان يهودي جماعي متماهي مع الدولة. أما انت يا حبيبي العربي فالخدمة هاي بما انها مش متماهية مع اي من المجموعات الي انت جاي منها (لا الدينية ولا القومية ولا العائلية) فبالنسبة لك كعربي هاي الخدمة هي خدمة فردية تبنيك وتصقلك كشخص مستقل قائم بحد ذاتك "ليبيرالي" متحرر عن اي انتماء جماعي لك حقوق فردية ممكن تحصل عليها وتحقق حياتك كفرد... وكفرد فقط !!! فرد منسلخ عن كل انتماء جماعي ديني طائفي قومي أو عائلي (متحرر يعني)... فمار راح تعييد اعيادك الدينية من خلال أطار هاي الخدمة زي ما راح يعيدها اليهودي ويحتفل فيها بشكل جماعي، ولا راح تحتفل بأيامك الوطنية مقارنة مع أيام الذكرى والأيام الوطنية للشعب اليهودي... مثلا مش راح تحد على شهداء كفرقاسم من خلال هاي الخدمة، ولا راح تحزن على مذبحة دير ياسين، ولا شهداء يوم الارض ولا شهداء أوكتوبر اللي سقطو في الناصرة وام الفحم وعرابة وسخنين... كمان ما راح تعيد لا عيد الميلاد ولا عيد الفطر ولا راح تصوم رمضان فالمؤسسات الرسمية هي مؤسسات يهودية تتماهى مع طابع الدولة وتستنكر المسيحيين اللي قتلو اليهود بأوروبا والمسلمين اللي حسب رأيهم لاحقوهم وقتلوهم في الدول العربية والأسلامية.
عشان هيك يا صديقي هاي الخدمة تعزز الانتماء الجماعي عند اليهود وتسلخ العربي عن أنتمائه الجماعي. فيك تقولي "طيب وشو فيها خلينا كلنا أفراد ونوخد حقوق متساوية مثلنا مثل اليهود"... معك حق هاذا الحكي بكون سليم لو انك عايش في دولة ليبرالية يعني متحررة يعني تتعامل مع مواطنيها كأفراد ومفهوم المواطنة يتماهى مع مفهوم القومية يعني مثل امريكا فهي دولة كل الامريكان أو فرنسا فهي دولة كل الفرنسيين أما اسرائيل.... ركز معي.... فهي دولة اليهود... أينما كانو... يعني هاي الدولة هي دولة القومية اليهودية ومفهوم المواطنة فيها لا يتماهي مع مفهوم القومية.... فمواطنة اليهود فيها هي مواطنة جماعية أو ريبوبلكانية يعني جماهيرية بعكس مواطنتك انت الفردانية الليبرالية – فاليهودي اذا كان خلقان في الهند أو السند أو الهنولولو أو حتى مش يهودي أصلاً بس عنده طرف جد يهودي، فهو تلقائياً شريك في هذة الجماعة ومواطن مرتقب ومتى يريد يحق له ان يمارس مواطنته الجماعية. اما انت يا عزيزي العربي فأنتماك الجماعي الديني أو القومي يتناقض مع الهوية الجماعية للدولة، ومواطنتك وحقوقك اللي ممكن تحصل عليها هي مواطنة فردية فقط منفصلة عن كل ايشي عرفته وربيت عليه قبل الخدمة المدنية... يعني هم ما عندهم أي شيئ شخصي ضدك، انت كفرد محبوب كثير وبحبوك تكون فرد وتبقى فرد.... ليبرالي... تحرري... طبعاً... وشو بدك بهاي العائلة القامعة وهاذا المجتمع المتخلف؟!!؟!؟!؟ وهيك بكون في عندهم افراد متحررين غرباء عن بعضهم البعض يعيشو حياة فردية ويأخذو حقوق فردية ولا يربطهم شيئ ببعض... وممكن تقولي "طيب شو عليه مننسلخ عن الجماعة ومنكون افراد، منتنازل عن الهوية الجماعية ومنكون كل واحد على كيفه فينا الأحمر وفينا الاخضر وفينا الأبيض وفينا الأزرق والأصفر" – بس انت ناسي يا حبيبي انه التمييز ضدك هو مش تمييز فردي التمييز ضدك هو تمييز جماعي... فبتلاقي كل العرب خادمين ولا مش خادمين عايشين بنفس الظروف المجحفة، ففيك تكون انت ملياردير وتنجح كفرد وتبني بيتك مثل القصر بس بالحارة أو البلد المعفنة اللي انت ساكن فيها.
طيب بتقول بدك تطلع وما تسكن بين العرب... وانك تنازلت عن العروبة وما بدك تكون عربي... بس يا حبيبي هاي الدولة لا تمييز ضدك بس لأنك عربي بل لأنك مش يهودي... فهي ليبرالية للعرب وريبوبلكانية لليهود والمساواة اللي بيحكو عليها هي مش مساواة في معادلة متوازنة فبشكل فردي "محمد" ممكن يتساوى مع "موشيه" وممكن يكون أحسن منه كمان بس "موشيه" يا حبيبي عنده ظهر، الدولة ظهره، وانت قزعولك ظهرك!!!
وهيك يا حبيبي هاي الخدمة المدنية بتمحيلك الهوية وتبنيلك مساواة ليبرالية في دولة ريبوبلكانية وبضلك انت خارج دوائر القرار وبيعملولك المجمعات السكنية جماهيرية فما فيك تشارك فيها بدون ما تمر لجان قبول شرطها الاولي لقبولك...لا مش الخدمة المدنية... ها ها... انما اليهودية، وفي القرارات الحاسمة في البرلمان (الكنيست يعني) بتلاقيهم رفعو نسبة الحسم لسبعين أو ثمانين بالمية، وفي المدن المختلطة بتلاقي العرب متجمعين في كانتونات عربية ومدارس عربية وخدمات الصحة والمواصلات طبعا بتتوزع بحسب الجغرافيا السياسية للمدينة واذا كنت انت يعني هذاك المحظوظ وأبوك داعمك أو ستك مورتك أو تجوزت واحدة يهودية وسكنت في مناطق يهودية فلسا بدك تحترم السبت وتحترم الكيبور وتحترم العلم وتحترم المشاعر اليهودية الجماعية وتوطي الموسيقى العربية وتحزن على الذيكرون وتعييد على العتسماؤوت وتحكي بلغة تزدري اللغة العربية وتأكل فلافل على الطريقة الأشكنازية وتقرط بالرا وتحزف العا واذا كنك "عادل" بتصير "ادي" واذا كنك "ماجد" بتصير "دودي" ويمكن من الأساس أهلك يختصرو عليك الطريق ويسموك بأسم ما يفضح عروبتك فما بتقضيها في محاولة للتنكر تحت اسم انت مش هو وبيخففو عليك ازمة الهوية.
وهيك يا حبيبي ليبراليتك هي وهم وما بتخليك تقرر مصيرك ولا تغير من الظروف الي انت عايش فيها وبضلك دايما خارج القرار، ممكن الوضع يتغير بس مش بتأثيرك لأنك بتبرم لحالك اما القرار فهو قرار جماعي لمجموعة بتشوف انها هي الدولة والدولة الها وانت لا منها ولا فيها.
© حقوق النشر محفوظة.
نسرين مزاوي – ناشطة نسوية ومستشارة بيئية حاصلة على اللقب الاول في علم الاحياء واللقب الثاني في الإدارة البيئية.