وجود العرب او عدم وجودهم مشاركتهم او عدم مشاركتهم في هبة الشارع اليهودي المطالبة بالعدل الأجتماعي تثير الكثير من التساؤلات والمواقف المتضاربة. من الواضح انه يجب ان يسمع للعرب صوت في كل ما يحدث لكن السؤال اي صوت؟
اود هنا التطرق لخطاب الرفيق رجا زعاترة ووضع بعض الملاحظات حول خطابه في مظاهرة حيفا 13.08.2011
أولاً يبدأ الرفيق بتقديم التهنئة للخيم التي أقيمت "بأعقاب الأحتجاج الأجتماعي بالشارع الأسرائيلي" في الناصرة وام الفحم وسخنين وحرفيش وفي العراقيب ومجد الكروم واللد... وفي هذة التحية تهميش وتشويه للحقائق والتاريخ مما لا يصح على الأقل بحق الناس الذين تقدَم لهم التحية... فخيم العراقيب اشيدت مما يقارب السنة وقد سبق تشييدها ظهور الخييم الصيفية في روتشيلد... كذلك خييم اللد فهي منصوبة منذ السنتين تقريبا ويعيش اهلها واطفالها الخيم صيفا وشتاء وهي ليست ردة فعل ولا انجرار فطري وراء الأحتجاج الصيفي للشارع اليهودي. فلماذ نصور الواقع مقلوب رأس على عقب ولماذا نفترض ان على العراقيب واللد أن تنضم الى روتشيلد؟! ولماذا لا ينضم روتشيلد الى العراقيب واللد؟!!! فلماذا هذة الطبقية المبطنة في هذة التحية؟!!!
ثانياً جملة الخطاب الساطعة وقد أختار الرفيق عنونة خطابه بها "אצלנו בוואדי לא אוכלים קוטג'.. מעדיפים לבנה" – (عندنا في الوادي لا نأكل جبنة الكوتج.. نفضل اللبنة) - وهنا لا يسعني غير الأستيهاب بفرضيات العنوان فأبدأ بالفرضية الاولى وهي ان كل العرب يسكنون الوادي وليس هناك عرب يسكنون دينيا او الكرمل او ربما سيفيون، (والوادي هو الأسم المُختزل لحي وادي النسناس في حيفا) وبهذة الفرضية يتغاضى الرفيق عن الفروقات الطبقية بين العرب وكأن العرب كلهم مسخ من مزيج واحد.... فصحيح أن تمانين بالمئة من العرب فقراء وتمانين بالمئة منهم يسكنون أحياء عربية معزولة كوادي النسناس لكن ليس هدا بمبرر للتعامل مع المجتمع العربي بهذة السذاجة وبشكل أو بأخر الترويج لفرضيات خاطئة وسطحية تحت عنوة النضال وقيادته بهدف (ربما) التأثير عليه.
ثانياً – يفترض الرفيق ان اللبنة كلها لبنة عربية من نوع واحد وأكيد غاب عن بال الرفيق ان اليهود ايضاً تعلمو اكل اللبنة كما تعلموا أكل الحمص والفلافل وغيره... طبعاً هو لا يقول اليهود والعرب لكي لا يتسم خطابه بالعنصريه لكن هذا هو التفسير الوحيد لمقصده من الجملة "عندنا في الوادي لا نأكل الكوتج ونفضل اللبنة". بالاضافة الى ذلك أود لفت النظر ان اللبنة ليست كلها نوع واحد وان تنوفا وشتراوس ايضا بقومون بأنتاج اللبنة وتسويقها وليس كل من يأكل لبنة يأكل لبنة عربية زهيدة الثمن كذلك بالأضافة الى منظور اللبنة كلبنة عربية بحتة يغيب عن بال الخاطب بأن اللبنة العربية كغيرها تتنافس مع باقي اللبنات في السوق من حيث السعر الجودة والتكلفة وان أصحاب المصانع العرب يرغبون بالربح المالي كغيرهم من اصحاب المصانع الغير عرب... واخيرا أرغب بلفت النظر ان الأستعارة الرومنسية للبنة وضعتها خارج سياق المكان وخارج سياق الزمان كأن اللبنة مستهلكيها ومنتجيها لا علاقة لهم بالسوق ولا بالمنافسة الرأسمالية ولا بالأزمات ويقعون جميعا بشكل مستقل وأوتنتي خارٍج سياق الأحداث وخارج سياق التاريخ... وهكذا وضع الخاطب العرب كلهم بخانة واحدة، خانة "اللبنة" و"الوادي" بشكل أوتنتي ورومنسي جداً "قاعدين بالوادي يأكلو لبنة..." وللأسف هذة بالظبط هي صورة العربي المحدودة اللتي يستطيع الشارع اليهودي أستيعابها وهذا هو الخطاب الذي يهوى أجماع الشارع اليهودي سماعه وهو خطاب يكرس صورة دنيوية للعرب محدودة ومنسلخة عن سياق الواقع، عن سياق الأحداث وعن سياق التاريخ... في الماضي أستعمل الغربيون كلمة "بريمتيب" لوصف كل من رأوهم بهذا المنظور... فلا عجب من تصفيق الروتشلديون لهذا الخطاب بل عجبي من تصفيق العرب له!!!!
ثالثاً - أسوة بالشيوعية يأمم الرفيق الجوع والفقر ويقول "בסופו של יום משפחה ללא קורת גג היא משפחה ללא קורת גג, וילד רעב הוא ילד רעב, וזה לא משנה אם הוא מדבר ערבית, עברית, אמהרית או רוסית. בסופו של יום, לרעב ולהשפלה, בדיוק כמו להון, אין מולדת ואין שפה" – للوهلة الاولى كلام سليم لكن لهذا الكلام أبعاد تتناقض وواقع الهاتفين والمهللين له. فمن خلال هذة الجملة يدعي الرفيق اننا عربا ويهودا روس وأثيوبين نتشارك جميعا نفس القدر... وبهذا "نحن" مجموعة من الناس في رقعة جغرافية محددة تواجه مصير واحد وقدر مشترك... يعني شعب!!!!!!! فهل يعقل هذا؟؟؟؟!!!!!!! هل يعقل ان اليهود والعرب في الرقعة الجغرافية لفلسطين ال48 أصبحو شعباً واحد يواجهو قدر مشترك ومصير واحد؟؟!!!! هل يعقل ان من صفق لهذا الكلام مدرك لماذا يصفق؟!!! معقول؟؟!!! هل تنازل أجماع الشارع اليهودي عن دولة اليهود وعدواً وراء الرفيق زعاترة كلهم يؤيدون فكرة دولة المواطنين؟!!!
رابعاً – ليس كل من يدفع بمقولة "لا للكابيتاليزم" في خطابه – اي لا للرأسمالية – يطرح بديل أفضل... فقد أصبحت الشعارات المناهضة للرأسمالية اليوم كلام دارج وعادي وقد فقدت ثوريتها والتزمت مكانة الشعارات بالأخص عندما تدرج في سياق خطاب لا يخلو من الطبقية المبطنة وفرضياته تناقض رسائله وبكلمات أخرى كله من اوله لاخره يناقض بعضه... يعني من ناحية يدعي الرفيق اننا كلنا مع بعض بالهوا سوا (وهذا الشي غير صحيح) ومن ناحية أخرى يصور العرب كالمزهرية الجميلة بالوادي... وربما قد يصح القول كجرة في الوادي!!!
خامساً - يختتم الرفيق خطابه بما معناه انه بالطول بالعرض "أحنا"، العرب واليهود، سنبقى معاً نناضل معاً أن صارت حرب أو ما صارت راح نبقى مع بعض!!! والسؤال الذي يطرح نفسه وبتزعفل - عن جد؟؟؟!!!!!!! فهل يا رفيق انت تطلب منهم ان نبقى مع بعض؟!!!! أم انك تعرف انه في حالة وقوع حرب مش راح يروحو على الجيش وراح نضل مع بعض؟!!! أو ممكن قصدك انه راح يروحو على الجيش وراح نبقى مع بعض؟!!!!!! أو ممكن ترغب بأن نذهب للجيش مع بعض؟!!!!!!!!! المهم دايماً مع بعض!!!!!!
وهنا اريد التوقف برهة عند مبدأ ال"مع بعض" هذا وكيف أكتسب قيمة بحد ذاته؟ وما هي الفرضيات التي يستند عليها هذا المبدأ؟!! اولاً أرغب بأن أنوه انه عرب ويهود ممكن أن يكونو مع بعض من أجل العدل وممكن أن يكونو مع بعض من اجل النهب. ثانياً الفرضية المبطنة خلف تحويل ال "مع بعض" الى مبدأ هي انه من المستحيل أن يجتمعو اليهود والعرب مع بعض وطبعاً هذة فرضية خاطئة!!! بل انها فرضية ذات طابع عنصري حيث انه بسبب كون العرب عرب واليهود يهود فمن الصعب أن يكونو مع بعض لذلك يصر الخاطب والمصفقين له على هذا المبدأ ويرفعونه عالياً... لكن الواقع يبرهن انه العرب واليهود ممكن ان يكونو مع بعض عندما تلتقي مصالحهن... فربما من الأجدر أن نتنازل عن مبدأ ال"مع-بعض" كأنه قيمة قائمة بحد ذاتها ونبدأ نفكر ولو قليلاً بالأمور الجوهرية التي قد تجمعنا مع بعض.
واخيراً – يجمع الرفيق ما بين السلام والعدل كأمرين يجب القدم بهما سوية، وطبعا يُفترض بهذا الكلام ان السلام والعدل شيئان منفصلان يجب جمعهم مع بعض بأختيار حر وأرادة صادقة... وهنا اسمح لي يا رفيق أن أقول انك مخطئ بقولك هذا، وربما لم تقصد ذلك، فالعدل و"السلام" اي انهاء الاحتلال ليسو بأمرين منفصلين وجب علينا جمعهم انما أمر واحد حيث أن انهاء الأحتلال هو عدل والعدل هو انهاء الأحتلال، وتذويت مفهوم الفرز بين الأمرين هو كارثة نتدحرج في هوتها في دربنا الى روتشيلد.
وللنهاية – يصف البعض في بعض الرسائل القصيرة على الأنترنت مظاهرة حيفا كالعملاقة (مترجمة حرفياً من العبرية).... وهنا لا يسعني غير القول: أي لا؟!!!! أولاد غزة هم العمالقة، أولاد جنين هم العمالقة... الشعب السوري عملاق... الشعب المصري عملاق... أهل تونس عمالقة واهل البحرين واهل الصحراء... أما مظاهرة 30-40 الف في حيفا خرجوا الى مخيم روتشيلد الصيفي صارت مظاهرة عملاقة؟! اليس من الافضل التروي قليلاً لكي نرى ورقة الأقتراع لهؤلاء المصيفيين؟؟!!!
© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي – ناشطة نسوية ومستشارة بيئية حاصلة على اللقب الاول في علم الاحياء واللقب الثاني في الإدارة البيئية.