لقد كان شهر يناير 2013 من اشنع ما عايشته النساء
المصريات منذ بدء الثورة المصرية، حيث وجهت ايدي النظام القاصرة الى اجساد النساء
المحتجة في الميدان لتتحرش بها وتغتصبها جماعيا، مما اسفر عن 19 حالة اغتصاب جماعي
ناهيك عن الحالات التي لم يبلغ عنها. اثار هذا الوضع غضب النساء عامة في العالم
العربي وفي كافة انحاء العالم ونتجت عنه دعوة عالمية عامة نشرت عبر صفحات الفيسبوك
للتظاهر امام السفارات المصرية في شتى انحاء العالم يوم الثلاثاء التاسع من شباط
للعام 2013 الساعة السادسة بحسب التوقيت المحلي.
خلال فترة تقارب الاسبوعين منذ الحدث، لم يُسمع من
المؤسسات او الجميعات او المجموعات النسائية والنسوية الفلسطينية في الداخل اي صوت
جراء الحدث كما ولم يصدر عن أي منها اي بيان تضامني او استنكار للحدث. وربما كان
هذا جراء الصدمة فلا بد وإن كل امرأة شعرت بالحدث كانتهاك شخصي لكيانها وذاتها
النسائية، ولا بد ان الصدمة كانت شديدة. وربما قد تم الخروج من الصدمة تدريجا
وفرديا حيث ان شهادات النساء المصريات المصورة حول ما حدث واصرارهن على مواصلة
النضال كانت هي مصدر القوة والعزيمة التي ربما بحثت عنها النساء ولم تجدها في
الوقت الذي كان ولا بد ان نكون العزاء ومصدر قوة ورافعة لمعنويات النساء المنتهكات.
بدء التحرك الأول مع ظهور النداء للمظاهرة العالمية امام
السفارات. خلال يومين او ربما ثلاثة من الاعلان عن المظاهرة لم تتنظم اي مجموعة
حول الحدث، واكتفت الناشطات بتناقل الأعلان عبر الحيز الالكتروني والبعض منهن
اعلنت عن نيتها الشخصية الفردية بالمثول امام السفارة في تل ابيب في اليوم والوقت
المعلن عنه.
في هذة الاثناء اجتمعت مجموعة من الناشطات وناقشت
وتداولت الموضوع وعممت دعوة للتظاهر في دوار الساعة في يافا وليس امام السفارة
المصرية في تل ابيب.
القرار غير مفهوم ضمنا وشخصياً قد اثار استهجاني الكبير
حيث ان المظاهرة امام السفارة هي احتجاج جماعي عالمي امام ممثلي النظام المصري في
الدول المختلفة، اما المظاهرة في دوار الساعة فهي مظاهرة تضامن وربما احتجاج الا
انها تترك ساحة السفارة المصرية في تل ابيب خالية وكأن الامر لا يمت لهم بصلة.
من خلال محاولة لأستيضاح اسباب القرار تلقيت جوابين نشرت
عبر صفحة الدعوة. الأول، ان مجموعة من الاسرائيليات سوف تقوم بالتظاهر امام
السفارة الأسرائيلية وسوف ترفع اعلام اسرائيل وشعارات كتبت بالعبرية وهذا الامر لا
تتماهى معه الفلسطينيات في هذة المجموعة بل وتراه "تغييب كامل" لهويتها
ولوجودها واضطهاد مباشر لها حتى ولو اتفقت مع المتظاهرات مع المبداء والمضمون. اما
الجواب الثاني فقد كان، ان التظاهر امام السفارة المصرية في تل ابيب هو "مشهداً تطبيعيًّا للعلاقات مع الاستعمار الصهيوني الذي يضطهد أرضَنا
وحقوقنا وجنسانيتنا كفلسطينيّات كلّ يوم ألف مرّة".
محاولات
الحوار حول الموضوع اثارت حفيظة المجموعة المنظمة وطاقاتها الشابة على ما يبدو وحثتهن
على الأصرار على الموقف والتشبث به والتنظم حوله وتجنيد المشاركات والاعلام وغيره
مما يليق بنشاط سياسي. بينما ما زالت الدعوة للمظاهرة امام السفارة دعوة عامة في
فضاء الفيسبوك استجابت لها بعض النساء بشكل فردي وغير منظم.
من هنا
اود الخوض في تحليل اعمق للحدث وربما استخلاص نتائج على الصعيد النسوي المحلي.
اولاً بالنسبة
للمشهد التطبيعي للعلاقات، من المهم ان نذكر ان واقع فلسطيني ال48 يختلف عن واقع
فلسطيني ال67. والعلاقة ما بين هؤلاء
والدولة الصهيونية على مؤسساتها الرسمية والديبلوماسية تختلف عن العلاقة بين
اولاءك والدولة ومؤسساتها.
فلسطيني
ال48 يحملون الجنسية الاسرائيلية، ليس بأختيارهم انما فرضت عليهم وهي سبيلهم
الوحيد منذ النكبة للحفاظ على بقاءهم واستمرار وجودهم على ارضهم. من هنا فهم
يمارسوا حياتهم اليومية من خلال هذة الدولة ومن خلال مؤسساتها، قهراً وبدون بديل.
وأي علاقة لفلسطيني ال48 مع الدولة او مؤسساتها ليست حالة طبيعية كما وليست بعملية
تطبيع، انما عملية مقاومة يومية مستديمة ومتجددة مع كل صباح لضرب الجذور والوجود في
الحيز والمكان. من هنا فان اعتبار تل أبيب او السفارة المصرية في تل ابيب عنصر خارج
الحيز والمكان الفلسطيني لهؤلاء ما هي الا تنازل عن هذا الجزء من الحيز والتسليم بنزوحنا
عن مكان لنا سلب منا. بينما تتوجب علينا المقاومة اليومية المستديمة وعدم التنازل
عن اي شبر من هذا الحيز نستطيع الوصول اليه وممارسة حياتنا اليومية فيه ومنها السياسية
والاجتماعية والاكاديمية والرياضية والاقتصادية والثقافية والفنية.
ثانيا، في
محاولة للأستفسار حول مصدر التخوف من المظاهرة الندية التي ستقوم بها "جماعة
اسرائيلية تحمل الاعلام الأسرائيلية والشعارات المكتوبة بالعبرية التي ستقوم بتغييب
وجودنا وهويتنا الفلسطينية"، يتضح انا هذا التخوف مبني على دعوة فيسبوكية
ترجمت للعبرية عن الدعوة العربية للمظاهرة. وقد استجابت لهذه الدعوة حتى ذلك الوقت
خمسين شخصية فيسبوكية. وفي محاولة من المنظمات العربيات التواصل مع هذة المجموعة والاستفسار
حول نواياها من المظاهرة لم يتلقين اي جواب. من هنا وصلت الناشطات الفلسطينيات الى
الاستنتاج بأن هذة القوة (التي لم يثبت وجودها خارج الفيسبوك حتى الان) ما هي الا
قوة معادية تخطط وتكن السؤ لهن كفلسطينيات، وأن استباق الأحداث والنزوح عن
المظاهرة امام السفارة وتنظيم مظاهرة اخرى في دوار الساعة في يافا "عروس فلسطين"
ما هو الا افضل رد لهذه الدعوة المترجمة للعبرية.
للأسف
الشديد هذا المشهد اعادني 64 سنة للوراء، حيث سمع عدد لا بأس به من الفلسطينيين من
بعيد اصوات التنك تجرها الجيبات الصهيونية تقترب فخافوا وقد وصلتهم اخبار مذبحة دير
ياسين مسبقاً فاخذوا ما استطاعوا من متاع وفروا هربا قبل وصول المدرعات الصهيونية. وها نحن في فلسطين
2013 مرة أخرى في ظل الحيرة بين "الهروب" او "البقاء" فنختار
الهروب، بالأعتماد على دعوة فيسبوكية لا نعرف من يقف خلفها. ونهرب الى ذلك المكان
الرومانسي، الى أجمل مكان بنيناه في الخيال، الى ذلك المكان العذري، الى عروسنا،
عروس فلسطين، الى يافا وكأن زناة الارض لم تدخل حجرتها وكأن الدماء لا تغمر ثوب زفافها،
وكانها عذراء تنتظر نساء فلسطين لتفض بكارتها.
وبين
الهروب والبقاء في فلسطين 2013 نختار الهروب.
لا أعتب
في هذة الحالة على المجموعة الفلسطينية النشطة التي قامت بكل همة وحماس بتنظيم
المظاهرة في يافا وبحشد الصفوف للمشاركة بها، الا أن عتبي هو على حركة نسوية غائبة
ومشتتة وما لهذة المجموعة النشطة ولهذا الحدث الا ان يعكسا تخاذلنا (نحن النسويات)
وتقاعسنا في الجد في بناء وتفعيل فضاء نسوي للحوار العام لتطوير الفكر والرؤيا
النسوية الخاصة بنا خارج أطر الجمعيات التي اتخذت على عاتقها العمل الميداني،
وخارج الاطر الحزبية المنشغلة في الجدل العقيم فيما بينها.
اعتب على
حركة نسوية غائبة وليست مُغيبة. اعتب على نساء منشغلات في نزاعات بطريركية. على نساء لا يشغل بالها سوى التخوين وتوزيع الأوسمة الوطنية. أعتب على نساء تغفل عنهن المصلحة العامة التي تتطلب تنوع في
الافكار والتوجهات والاستراتيجيات. اعتب على نساء تغفل عنهم ضرورة التعاون والحوار
البنّاء. أعتب على نسويات عاجزات عن رفع سقف النسوية وسقف الوطنية وسقف الحوار
السياسي العام. أعتب على نسويات عاجزات عن أتخاذ موقف علني اوحتى الخوض في نقاش عام حول العلمانية وحول الحق
على الجسد ويقتصرن ذلك خلف الأبواب المغلقة، في فترة نحن في امس الحاجة بها الى هذا النقاش الجماهيري العام. اعتب على حركة نسوية متلعثمة متعثرة فتكون
ثمرتها مجموعات نسوية متقطعة منفصلة لا تواصل ولا حوار بينها فلا تستطيع التعامل
مع او مواجهة دعوة فيسبوكية عالمية عامة ترجمت الى اللغة العبرية.
(وانا اول
من يطأطأ الرأس حيال حالنا هذا).
الناصرة
10 شباط
2013