لقد تلقى
سكان الناصرة بالأمس عبر الصفحة الرسمية لبلدية الناصرة على الفيسبوك إعلان عن نية
رئيس بلدية الناصرة السيد علي سلّام وغبطة البطريرك السيد فؤاد طوال وإدارة بلدية
الناصرة، بتغيير اسم حي "العمال العرب"، وبأسمه الشعبي
المتداول بين النصراويين "شيكون العرب"، الى حي "السيدة مريم العذراء"، واُعلن أنه سيُقر رسميا في
أوّل جلسة مجلس بلدي في الأيام القريبة، كما جاء في الخبر.
في البداية اود أن اعطي لمحة تاريخية صغيرة عن أسماء الاحياء في الناصرة، ابعادها ومعانيها ومن ثم سأعود الى الخبر والى ملاحظات عينية حوله الأولى منها تخص الناصرة والثانية منه تخص المجتمع الفلسطيني في الداخل عامة.
أسماء الأحياء في الناصرة
اولاً
لأسماء الأحياء في الناصرة وغيرها، مدلولات
ثقافية وجغرافية وجذور تاريخية تعبر عن تاريخ البلد وتاريخ أحيائه، عن
طبيعة الحياه فيه، عن أحداث
تاريخية ارتبطت به، وعن شخصيات معينة راج اطلاق اسماءها على الشوارع في
المدن الحديثة تكريمًا لها وتخليدًا لذكرها. فأحياء الناصرة مثلاً، كما في
المدن
العربية الآخرى التي عاشت في ظل نظام الملل العثماني، تحمل اسم جماعة
القاطنين فيها، اي
اسم الطائفة في ذلك الحين، وقد سهل هذا للدولة العثمانية عملية ادارة
السكان وفقًا
لنظام الملل وقوانينه الطائفية من حيث الضرائب ودفع الجزية وقواعد الملبس
والمهنة
والعمل وغيرها[7]. فحارة "الروم" وحارة "اللاتين" في الناصرة مثلاً ما هي إلا إنبثاق عن هذا النظام، ونرى
في القدس حارة "الأرمن"، وحارة "النصارى"، وحارة "اليهود"، وحارة "المغاربة"، وفي شفاعمر
يضاف الى هذا حارة "الدروز" وهكذا.
ولم يقتصر التقسيم الجماعي للحارات في الناصرة على
الطوائف الدينية فقط، بل امتد من خلال نظام إجتماعي ابوي الى داخل الحارات لتقسم
وفقًا للعائلات فيها، فأنبثق عن هذا حارة "المزازوي" تجدونها في البلدة القديمة
وهي جزء من حارة "اللاتين"، حارة "السروجية" في السوق أيضًا، حارة
"السبانيولي"، حارة "البتريس"، وحارة "الأميركان" لاحقًا وغيرها.
واستمر أهل الناصرة بإطلاق اسماء الجماعات على احيائها حتى بعد زوال نظام الملل، فأحياء
جديدة نسبيًا عُرفت باسم "جبل دار فرح"، "جبل حمودة"، حي "الصفافرة" وهكذا.
الى جانب هذا إستعملت اسماء لها دلالة جغارفية كالحارة "الشرقية"، "طلعة ام ايله"، "طلعة مسمار"، "حارة الصبر"، "الكروم"، "شنلر"، "الفاخورة"، "بير ابو الجش"، "بير الأمير"، "العين"، "الميدان"، "النمساوي"، "المسلخ" (سوق الإثنين سابقاٌ)، "خلة الدير"، "شارع الكراجات" وغيرها.
الى جانب هذا إستعملت اسماء لها دلالة جغارفية كالحارة "الشرقية"، "طلعة ام ايله"، "طلعة مسمار"، "حارة الصبر"، "الكروم"، "شنلر"، "الفاخورة"، "بير ابو الجش"، "بير الأمير"، "العين"، "الميدان"، "النمساوي"، "المسلخ" (سوق الإثنين سابقاٌ)، "خلة الدير"، "شارع الكراجات" وغيرها.
وقد نعتبر اسماء الشوارع والأحياء في الناصرة دليل
جغرافي سياسي للبلد. فشارع "الكراجات" مثلاً وهو منطقة البيادر سابقاً راج اسمه في
سنوات الستين والسبعين عندما شاعات السيارات في المنطقة وباعقابها الكراجات مستبدلة
بهذا الزراعة بالصناعة. هذا وقد تغيير اسم الشارع في فترة لاحقة حديثة نسبيًا (في سنوات
التسعين) ليحمل اسم القائد طيب الذكر توفيق زياد تخليدًا لذكره. وقد نعتبر تسمية
الشوارع او بعض المواقع في الناصرة بأسماء شخصيات معينة من ميزات الحداثة في التعامل
مع الحيز في الناصرة، فمن ضمن التسميات الحديثة نجد "شارع بولس السادس"، مركز "محمود درويش"
وغيرها.
بالأضافة ظهرت مع بداية سنوات التسعين اسماء حديثة اخرى كحي "الورود" وأفترض انه أستعمل هذا الإسم، الغريب نسبياً عن ثقافة التسميات المحلية، تيمنًا بثقافة أسماء الشوارع الأسرائيلية ربما تأثرًا بها وربما كان هذا من الاسماء القليلة التي سمحت بها الرقابة للجنة الحكومية المخولة لإصدار الأسماء للمدن والشوارع والاحياء.
بالأضافة ظهرت مع بداية سنوات التسعين اسماء حديثة اخرى كحي "الورود" وأفترض انه أستعمل هذا الإسم، الغريب نسبياً عن ثقافة التسميات المحلية، تيمنًا بثقافة أسماء الشوارع الأسرائيلية ربما تأثرًا بها وربما كان هذا من الاسماء القليلة التي سمحت بها الرقابة للجنة الحكومية المخولة لإصدار الأسماء للمدن والشوارع والاحياء.
بالأضافة لا بد من التوقف ايضًا عند كلمتي
"حارة" و"حي". فكلمة "حي" هي كلمة حديثة نسبيًا راج
استعمالها بعد النكبة. فالأحياء القديمة في الناصرة تُعرف بأسم "حارة" بينما
تحمل الأحياء الحديثة التي نشئت بعد النكبة اسم "حي" وحاليًا ليس لدي أي
تفسير لهذا الأختلاف إلا أنه امر لا بد من ذكره وتدوينه.
"حي العمال العرب"
اولاً
من اسمه نستدل أنه من الأحياء التي أنشئت بعد
النكبة، وغالباً أنشئت هذة الأحياء في سنوات الستين لإستيعاب الآجئين التي
إستحالت
عودتها الى ديارهم التي هدمت. وقد نشئ "حي العمال العرب" بالأضافة الى "حي
المطران" (نسبة للمطران حكيم)، نتيجة مفاوضات قام بها المطران حكيم آنذاك
مع سلطة الإحتلال ونتج عنها عملية تبادل أراضي تم باعقابها إنشاء الحي الذي
أستوعب
كافة اللاجئين المسيحيين تقريباً (وقد كانوا قلة من بين اللاجئين أتو من
بيسان وحيفا وطبريا) بالأضافة الى لاجئين أخرين وعائلات نصراوية ميسورة
الحال قامت بالإنتقال من أحياء البلدة القديمة الى الحي الجديد والحديث
وأخلت بيوتها القديمة
لأخرين جلسوا بها وفقًا لنظام الفتوحية والإيجار المحمي المتبعين آنذاك.
وربما لبُعد الحي الجديد عن الكنائس المتواجدة انذاك في البلدة القديمة
ولصعوبة الوصول اليها، تم إنشاء ساحة صلاة صغيرة أعتادت
نساء الحي أن تجتمع بها لإداء الصلاة المريمية وغيرها وعرفت هذة الساحة
بإسمها الشعبي "ساحة العذراء"
والدوار المحاذي لها بإسم "دوار العذراء"، وبأعتقداي من هنا مصدر الإسم في
الإقتراح الموجود على طاولة
البلدية اليوم "حي السيدة مريم العذراء".
وهنا
لا بُد من التنويه بأن تغيير اسم حي "العمال
العرب" الى حي "السيدة مريم العذراء" في أولى جلسات البلدية المتعاقبة
للإنتخابات ما هو إلا سعي نحو إنجازاتٍ سريعة وإنعكاس لأستمرارية
الخطاب الطائفي في البلد الى ما بعد الإنتخابات والى ما أبعد منها، لا بل
وربما تجذيره ومئسسته في البلد بشكل
بنيوي، وليس بالضرورة تعبيرًا صادقً عن خصوصيات الحي وأهله، فإعفونا منه
رجاءً.
لماذا "عمال"؟ ولماذا "عرب"؟ وماذا مع الإسم الشعبي "شيكون العرب"
اولاً لا بد للتنويه ان الاسماء الرسمية للشوارع
والأحياء في اسرائيل تصدر من قبل مؤسسات الدولة وهي مشروطة بتصريح لجنة حكومية
معينة تهتم خصيصاً بهذا الموضوع. وكغيرها من المؤسسات الرسمية تتبع هذة اللجنة
معايير ومبادئ صهيونية ايديولوجية تفرضها للسيطرة على المكان من خلال تسمياته. فالإسم
"حي العمال العرب" هو الإسم
الرسمي للحي وله دلالته وابعاده المحلية التاريخية والإجتماعية والسياسية.
فكلمة "عمال"
لها جذور وابعاد لثقافة اشتراكية (صناعية) تغنت بها الدولة الصهيونية منذ
سنواتها الاولى حتى نهاية سنوات السبعين، بالأضافة تشير كلمة "عمال" الى
التحول الجذري الذي طال المجتمع الفلسطيني في الداخل وهو عملية تحول
الفلسطينيين
من فلاحين وتجار الى عمال مأجورين في الصناعة الإسرائيلية.
اما كلمة "عرب" فما هي إلا للدلالة على "الأخر" وتشير الى التحول الذي طرأ على العرب في الداخل فتحولوا من المهيمن السائد المفهوم ضمنًا الغير منعوت الى النقيض الآخر المُلحق باسم نعت للتعريف وللدلالة عليه. من هنا فإن "حي العمال العرب" يتوافق تمامًا مع حالة العرب في الناصرة بعد النكبة (بل وربما بذاته يعبر عن النكبة) ومع الحالة العامة للفلسطينيين في إسرائيل ومع الرؤية الأيديولوجية والرسمية للدولة للوجود العربي فيها.
اما كلمة "عرب" فما هي إلا للدلالة على "الأخر" وتشير الى التحول الذي طرأ على العرب في الداخل فتحولوا من المهيمن السائد المفهوم ضمنًا الغير منعوت الى النقيض الآخر المُلحق باسم نعت للتعريف وللدلالة عليه. من هنا فإن "حي العمال العرب" يتوافق تمامًا مع حالة العرب في الناصرة بعد النكبة (بل وربما بذاته يعبر عن النكبة) ومع الحالة العامة للفلسطينيين في إسرائيل ومع الرؤية الأيديولوجية والرسمية للدولة للوجود العربي فيها.
الى جانب الأسم الرسمي يطلق النصراويين على الحي الإسم الشعبي[8]
"شيكون العرب"، وهو إسم
موازي ونِدّي للإسم الشعبي الذي يطلقه النصراويين على البلدة اليهودية
المحاذية، "شيكون اليهود". وقد اُقيمت هذة على اراضي الناصرة المصادرة في
تلك الفترة وتُعرف بالإسم الرسمي لها "نتسيرت عيليت" اي الناصرة العليا[9].
وللأسمين "شيكون العرب" و"شيكون اليهود" دلالات ثقافية عميقة
ومركبة لا بد من الوقوف عليها، فكلمة "شيكون" وهي كلمة عبرية دخيلة تستعمل
من قبل النصراويين اليوم ككلمات عبرية أخرى تمازجت مع اللغة محليًا ومع
طابع
الحياة اليومي للناصرة، وبينما يُموضع الصهيوني ذاته ويؤدلج وجوده والأخرين
باسمائه العُليا والدُنيا، يُخضعه النصراوي بفعل الممارسة اليومية الى
الندّية والمساواة والى ثقافة التعامل مع الحيز ومع المكان بجذورها الراسخة
في نظام الملل العثماني.
وكنية المكان هذة تلقي الضوء على الصراع السياسي والثقافي اليومي على الحيز والمكان وعلى مقاومة شعبية
يومية دائمة ومستمرة للنصراويين امام هيمنة الدولة ومؤسساتها وامام ثقافة القمع السياسية
بمعاييرها الصهيونية. وهذا الصراع لا يقتصر على النصراويين فقط إنما يشمل كافة
فلسطيني الداخل.
وهنا كنصراوية لا بد لي أن أشير أنني الاحظ في السنوات الأخيرة إنتقال البعض لإستعمال الاسماء الرسمية في الحديث العام، أضافة الى استعمال اسماء شعبية حديثة تشتق من اليات قمع وأنصياع وبعد وإنسلاخ تاريخي وثقافي عن المكان، كأستبدال اسم مفرق "القفزة" ب "البيج" مثلاً. وطبعاً من المستحيل ان تقبل اللجان الرسمية باستخدام اسم "القفزة" الذي استعمل لسنوات طويلة قبل نشوء الدولة وله دلالات تاريخية وثقافية اوسع واعمق واطول من التاريخ الصهيوني ودولة أسرائيل والبديل الشعبي للأسف للأسم التاريخي "القفزة" ("شارع القفزة" كما جاء في كتاب تاريخ الناصرة للقس اسعد منصور) هو "مفرق البيج" وما هذا الا انصياع نحو تحولنا الى مستهلكين في مجمعات تجارية جافة ومكييفة الى حد الصقيع.
وبأعقاب هذا التحليل ارى انه من الضروري التوقف على المسميات الشعبية للمكان بل والتأني بأنتقائها والتنبه بأستعمالها، ففي ثنائية "شيكون العرب" و"شيكون اليهود" ندية تفرضها الناس وتُسقطها اللجان والمؤسسات الرسمية وجذور تُضرب بفعل الممارسة اليومية وتقلع بواسطة التجهيل. فنتسيرت عيليت هي "شيكون اليهود" ولتبقى "شيكون اليهود"، ومفرق "القفزة" هو مفرق "القفزة" وليكن كذلك ففي المسميات الشعبية مقاومة ثقافية يومية دائمة ومستديمة لا يستهان بها.
وهنا كنصراوية لا بد لي أن أشير أنني الاحظ في السنوات الأخيرة إنتقال البعض لإستعمال الاسماء الرسمية في الحديث العام، أضافة الى استعمال اسماء شعبية حديثة تشتق من اليات قمع وأنصياع وبعد وإنسلاخ تاريخي وثقافي عن المكان، كأستبدال اسم مفرق "القفزة" ب "البيج" مثلاً. وطبعاً من المستحيل ان تقبل اللجان الرسمية باستخدام اسم "القفزة" الذي استعمل لسنوات طويلة قبل نشوء الدولة وله دلالات تاريخية وثقافية اوسع واعمق واطول من التاريخ الصهيوني ودولة أسرائيل والبديل الشعبي للأسف للأسم التاريخي "القفزة" ("شارع القفزة" كما جاء في كتاب تاريخ الناصرة للقس اسعد منصور) هو "مفرق البيج" وما هذا الا انصياع نحو تحولنا الى مستهلكين في مجمعات تجارية جافة ومكييفة الى حد الصقيع.
وبأعقاب هذا التحليل ارى انه من الضروري التوقف على المسميات الشعبية للمكان بل والتأني بأنتقائها والتنبه بأستعمالها، ففي ثنائية "شيكون العرب" و"شيكون اليهود" ندية تفرضها الناس وتُسقطها اللجان والمؤسسات الرسمية وجذور تُضرب بفعل الممارسة اليومية وتقلع بواسطة التجهيل. فنتسيرت عيليت هي "شيكون اليهود" ولتبقى "شيكون اليهود"، ومفرق "القفزة" هو مفرق "القفزة" وليكن كذلك ففي المسميات الشعبية مقاومة ثقافية يومية دائمة ومستديمة لا يستهان بها.
تنشر المدونة بالإعتماد
على المجهود الشخصي للقُراء الذين يقومون بإرسالها الى اصدقائهم ومعارفهم ممن قد
يعنيهم الموضوع. إن وجدتم بهذة المقالة محط إهتمام لشخص او لفئة ما الرجاء ارسالها
لهم، ففي عصر الشبكات الإجتماعية نقراء ما يرسله الأصدقاء.
[7] مصطلح "الطائفية" حديث نسبياُ، وقد لا
يصح أستعماله لوصف نظام الملل العثماني، لكنه يبرز علاقة هذا النظام بالطائفية
الحديثة للمجتمعات العربية التي عايشت هذا النظام.
[8] بعكس
المنظومات الرسمية التي تفرض معاييرها من خلال للجان المعينة ومن خلال القانون،
المنظومات الشعبية هي وليدة الممارسة وهي الإنعكس الأمثل لواقع الحياة اليومية.
[9] "شيكون" هي كلمة عبرية دخيلة بفعل
الممارسة اليومية، تعني "إسكان" وتستعمل بشكل موازي للكلمات العربية
"حارة" و"حي".