قامت الاسبوع الماضي مجموعة من الجنود الاسرائيلين في
وحدة مخابرات اسرائيلية بالاعلان عن رفضهم مواصلة التجسس على الفلسطينيين وذلك بسبب استغلال الدولة للمعلومات الاستخبارية
"لأبتزاز الابرياء"، وبضمنهم مرضى سرطان قد يحتاجوا الى علاج في اسرائيل
وذويهم والمثليين في المجتمع الفلسطيني واخرين. من حيث الحدث فالجديد هنا هو توسع
حلقة الجنود الاسرائيلين الرافضين للخدمة الى صفوف وحدات المخابرات. اما من حيث نزاهة الموساد الاسرائيلي وقذارة
عمله، فلا جديد تحت الشمس. فطالما ابتزت اسرائيل كل من يمكن ابتزازه، إن كان رجال
تضغط عليهم بواسطة تهديدهم باعراض نسائهم او سايسيين توقع بهم في فخ الفضائح
الجنسية لتستغلها فيما بعد ضدهم وغيرهم. فالموساد الاسرائيلي يبحث عن الحلقات
الاضعف في المجتمع وان لم يجدها يعمل على ايجادها وقد كتب الكثير حول الموضوع
ويمكن القراءة عنه باسهاب في كتاب: "عن طريق الخداع"، لضابط الموساد الاسرائيلي السابق فيكتور ستروفسكي.
ان الجانب الأهم بهذا الحدث ليس "فضح" طرق عمل
المخابرات الإسرائيلية، بل تصدع ايمان الجنود الاسرائيليين في مصداقية عملهم اللذي يصب في مسار
هدفه خلخلة المجتمع الفلسطيني من الداخل، ومواصلة السيطرة عليه من خلال القمع
الفردي والجماعي. لكن تطورت تغطية الحدث في الاعلام الغربي ليتحول من مُسائلة القيم الاخلاقية للاحتلال عامة الى
مُسائلة القيم الاخلاقية لاسرائيل في موضوع المثلية الجنسية. وهذا التحول الحاد في
الخبر ابعد الضوء عن القضية الأساسية والجوهرية للحدث، والقى بها في مكان اخر ربما
يُحرج اسرائيل قليلا لكنه امر قديم اعتادت عليه وباتت متمرسة في مواجهته اعلاميا
ودبلوماسيا.
البيان
في اعقاب هذا هذا اصدرت القوس للتعددية الجنسية
والجندرية في المجتمع الفلسطيني بيان بعنوان: الرد الإعلامي على مراقبة أسرائيل وابتزازها للمثليين الفلسطينيين مفاده:
استنكار بشأن الاعلام الغربي الذي يصب جل جهده على القضية
المثلية ويهمل القضايا الاخرى، فابتزاز المثليين هو قمع صارخ لا يزيد ولا يقل عن
ابتزاز الاخرين. والردود الاعلامية التي تعبر عن "خيبة الأمل" من
اسرائيل، ناتجة عن توقعات اخلاقية غير واقعية تتعامل مع التسامح الاسرائيلي ازاء
المثلية الجنسية ومع رهاب المثلية الفلسطيني كفرضيات اساسية مطلقة وما كان غير ذلك
فهو شاذ لا يمثل الواقع. كذلك يحذر البيان من خطر الانزلاق نحو الفكر الاستعماري الذي
يلقي علينا كفلسطينيين وصمة رهاب المثلية، ومن الانجرار خلفه وتذويت مفاهيمه
واسقاطته علينا. ويشير الى ان الاستغلال الاسرائيلي للمثليين الفلسطينيين ولابتزازهم
من قبل المؤسسة الاسرائيلية والضغط عليهم للتعاون معها ناتج عن ادراك
تام لمكانة المثليين في المجتمع الفلسطيني ولاسقاطاتها على افراده. كما ويستنكر البيان ويجرم ما تقوم
به اسرائيل من مراقبة للجنسانية في المجتمع الفلسطيني عامة، ويشير الى ان نظرتنا
إلى الامور يجب أن لا تكون جزئية او منفصلة عن الواقع.
ويكتفي
البيان بالاستنكار والادانة ولا يتطرق الى الصورة العامة او الى الواقع حيال هذا
الحدث، ويحقق بهذا ما حاول تجنبه وهو الانفصال عن الواقع الفلسطيني والنظرة
الجزئية للأمور. ولكي نضع الامور في سياقها من المهم التوضيح ان بيان القوس جاء
للرد على بعض المقالات التي نشرت بالصحف الغربية، من هنا فقد كتب ونشر باللغة
الانجليزية اولا ومن ثم تمت ترجمته الى اللغة العربية، وبعض الصعوبات في قراءة
البيان قد تنجم عن الترجمة فمن المهم مراجعة البيان بنصه باللغة الانجليزية. لكن
التمعن في البيان بنصيه العربي والانجليزي يكشف عن اشكاليات اكبر من مجرد اشكاليات
لغوية.
من حيث المضمون اوافق على النقاط الرئيسية التي جاءت في
البيان كما لُخصت اعلاه واهمها نقد الخطاب الغربي المتملق ان كان اعلامي او سياسي، معارض او
متضامن ومع النظرة الشمولية للتعامل مع المجتمع الفلسطيني وكون القضية المثلية هي
واحدة من عدة قضايا في المجتمع وليست القضية بال التعريف. لكن البيان بمجمله هو رد
على الاعلام الغربي، ومن هنا فهو جزء من خطاب حقوقي سياسي دولي بعيد عن الواقع
الفلسطيني ولا يمت له بصلة. وما ينقصني فعلا في هذا البيان هو البعد المحلي
والنظرة الواقعية للأمور. فالبعد المحلي في هذا البيان معدوم تمام. بالاضافة لم
تتطرق القوس او اي جمعية حقوقية اخرى للجانب المثلي لهذا الحدث على المستوى الاجتماعي
المحلي باي شكل اخر واقتصر الامر على الرد على الاعلام الغربي في سياق خطاب ال shaming وال pink-washing وهما وجهان لعملة واحدة محورها
تبيض او تسويد وجه اسرائيل من خلال التزامها بالمعايير الدولية لمواثيق حقوق
الانسان او الاخلال بها. ويتمحور حول اسرائيل وحول ما تقوم او لا تقوم به حيال
القضايا الحقوقية للفلسطينيين. يوبخها حين تفشل ويصفق لها حين تنجح، ويبقي
الفلسطينيين وتجاربهم الحياتية اليومية خارج السياق وفي افضل الحالات على هامش
الحدث.
وطبعا ليس من العدل ان نتوقع من البيان خطاب محلي من على
صفحات الاعلام الغربي، لكن غياب الخطاب المحلي في
الساحة المحلية وغياب اي طرح حيال قضية المثليين وتعرضهم للأبتزاز السياسي
وغيره، اضافة الى تغييب البعد المحلي عن الخطاب الدولي يفرض على هذا البيان حالة
انجرار، للأسف الشديد هو يحذر منها لكنه لا ينجح بتفاديها وبطرح خطاب مستقل عن
الخطاب الثقافي الغربي السائد. وبالرغم من كونه معارض مستنكر ومدين لكن المعارضة بذاتها
هي جزء من الخطاب وليست اكثر من مُلحق به.
جوهر القضية الفلسطينية
لقد اشار مكتوب الجنود في وحدة المخابرات الاسرائيلية الى
المثليين الفلسطينيين كاحد الحلقات الاضعف في المجتمع الفلسطيني. وبالرغم من ان التحول السياسي الاخلاقي في تغطية
هذا الحدث هو امر لا يروق لي، لكن ان اردنا التطرق الى مكانة المثليين في المجتمع
الفلسطيني والى نضال المجتمع الفلسطيني من اجل الحرية لا بد لنا من مواجهة الامر
والتعامل مع هذة المعلومات القديمة بجدية اكثر. فالقضية محليا هي قضية حصانة
المجتمع الفلسطيني في وجه الاحتلال وتمتين الحلقات الضعيفة فيه. القضية الفلسطينية
هي قضية تحرر على مستوى الافراد وعلى مستوى المجتمع، ولن تتحقق جماعيا (سياسيا،
ثقافيا، اقتصاديا، روحيا وغيره) أن لم تتحقق على مستوى الافراد. فالمجتمعات الصحية
والحصينة هي مجتمعات تحفظ الضعفاء فيها، فلا يكونوا عرضة للحاجة او للأستغلال. فالتكافل
والتسامح الاجتماعي هم من اسس المقاومة، ونضال التحرر لا ينجح في مجتمع افراده
ضعفاء، فحصانة المجتمع هي من حصانة افراده.
ابتزاز المثليين وغيرهم واستغلال نقاط ضعفهن على اشكالها
هي ظاهرة عامة تعم المجتمع الفلسطيني كما وكافة الدول العربية، وهي ليست حصريا على
سلطات الاحتلال في فلسطين. فتجريم المثلية قانونيا واجتماعيا يجعل من المثليين
فريسة سهلة يقوم اصحاب القوة على اشكالهم واشكالها باستغلالهم وابتزازهم لمصالحهم
المختلفة. وفي الوضع الفلسطيني الراهن هناك حاجة ماسة لصقل المجتمع وترسيخ اللُحمة
الاجتماعية بين افراده لتمكنهم من صد الاحتلال ومواجهته. الا ان هذة اللحمة هشة
يمكن اختراقها بسهولة وهشاشة المجتمع هي من هشاشة افراده والعكس صحيح. والهشاشة
ليست من نصيب المثليين فقط بل هم حلقة واحدة من عدة حلقات ضعيفة يجب على المجتمع
الفلسطيني تدعيمها وتقوية عزيمتها وثباتها. ومن هنا يطرح السؤال كيف نزيد من حصانة
المجتمع الفلسطيني ومن قدرته على المقاومة ومنع الاختراقات الاسرائيلية عامة.
وكيف نزيد من الحصانة الاجتماعية للمثليين ومن قدرتهم على الوقوف بمتانة امام
محاولات الابتزاز الرخيصة وغير الاخلاقية من قبل الاحتلال وغيره. وطبعا لا اتطرق
الى الموضوع المثلي لانه اهم من غيره، لكنه واحد من عدة امور اخرى ولا يقل اهمية
عن اي منها.
الحصانة الاجتماعية والمثليين في نظر المتشددين
اولا من المهم التذكير ان المثلية الجنسية ليست اختراع
اسرائيلي لمحاربة الفلسطينيين، كما وهي ليست اختراع غربي لمحاربة العرب والمسلمون كما يحلو لجهلة التاريخ بالإعتقاد. بل هي حالة طبيعية موجودة منذ البدء في كافة ثقافات
العالم بما فيها الثقافة العربية والثقافة الاسلامية. طبعا التعامل مع المثلية
وممارسات جنسية اخرى تغيّر على مدار السنين وهذا امر طبيعي فالمجتمعات البشرية هي
مجتمعات حية متفاعلة تتغير بفعل التجربة والزمن، وقد يحصل التغيير للافضل او
للاسوء فليس كل حديث افضل مما سبقه، وليس كل قديم اعرق او اهم. والاسوء والافضل
كقيم معيارهم هو شكل المجتمع الذي نصبو
اليه.
للأسف الشديد قلة من المحافظين والمتشددين يعتقدون
بحتمية القضاء على الضعفاء، للحفاظ على حصانة المجتمع وعلى متانته. لكن هل يستطيع
هؤلاء فعلا القضاء على كافة الضعفاء في المجتمع؟! هل سيقضون هؤلاء على المرضى
الذين يلجؤن للعلاج في اسرائيل؟! هل سيقضون على النساء كي لا تنتهك اعراضها؟! هل
سيقضون على كل عوز وحاجة اساسية في المجتمع؟! هل سيلغوا مفهوم "الفضيحة"
من الوجود؟! وما هي مفاهيم "الفضيحة" اصلا في المجتمع الفلسطيني، اي
منها يخدم مسار التحرر واي يخدم القمع والاحتلال؟؟ هل يسعون هؤلاء الى مجتمع
افراده مثالييون مقدسون بدون عيوب او اخطاء، وفي قمة قداستهم هذة سيحققون التحرر
من الاستعمار؟! هل يستطيع هؤلاء الغاء كافة نقاط الضعف في المجتمع التي لن تسأم
اسرائيل في البحث عنها؟! وهل بالتشدد نقضي على نقاط الضعف في المجتمع اما اننا
بهذا نقضي على حصانة المجتمع ونزيده ضعفا وهشاشة؟! هل سنعتلي على سلم القداسة يوما
فنتحرر اما اننا سنكون عرضة دائمة للانتهاك والاستغلال؟! هل مصدر الحصانة
الاجتماعية هي في تشدد المجتمع وقمع افراده ام انها من سعة تسامحه معهم؟!
عودة الى البيان وطبقية الخطاب "الكويري" في المجتمع الفلسطيني
اولا لا بد من التنويه بان رد الفعل الاولي في صفوف
المثليين الفلسطينيين للحدث تميز ببلادة تامة، فلم ترى اي من المجموعات المثلية
الفلسطينية فيه فرصة للتعبير عن رأيها بالموضوع او فرصة لحث الحوار الاجتماعي حيال
موضوع قديم لا جديد فيه. مع العلم ان اي من هذة المجموعات ليس لها اي موقف معلن او
اي طرح اجتماعي سياسي داخلي حيال هذة القضية. بالاضافة حتى بعد ان تحول الخبر في
الاعلام الغربي من "اخلاقيات الاحتلال" الى "اخلاقيات اسرائيل تجاه
المثليين"، لم تتحرك اي من هذة المجموعات، واقتصر تحركها عمليا بالرد على هذا
التحول، الذي حصل في الخارج ولا شأن للمجتمع الفلسطيني به.
والمحزن في الامر هو ان التمعن في البيان الصادر عن
القوس، وقرائة ما بين سطوره وما خارج اطاره ، يكشفان عن حالة انفصم اجتماعية وحالة
انكار عميق للواقع الفلسطيني. فانكار "الخزانة الفلسطينية"، وان شئتم
لجدلية المصطلح الثقافي فلنقل انكار "فضيحة المثلي الفلسطيني" بوصفها: رواية
مغلوطة. كما وانكار العلاقة بين "الفضيحة" وبين قمع الاحتلال بوصفها: علاقة
ملفقة تعتمد على ثنائة عنصرية زائفة تقوم بزج
الفلسطينيين في بوتقة رهاب المثلية كما جاء في البيان؛ ما هما الا انكار لوجود تابوهات
اجتماعية ولوجود امكانية لكسر هذة التابوهات الاجتماعية سرا، مما قد يعرض حامل
السر (سر الفضيحة) لضغوطات مختلفة. فعلى غرار المتشددين ما يقوم به القوس هو
محاولة تحصين اجتماعي للمثليين من خلال رسم صورة وهمية للمجتمع تتجلى من خلالها فلسطين
كفردوس المثليين على الارض (اي فشرت تل ابيب احنا اشطر).
طبعا من الممكن ان وصف الحال الذي جاء بالبيان قد يعبر
فعلا عن وضعية قلة قليلة من الفلسطينيين، المتسامحون جنسيا مع ذاتهم ومع الاخرين،
لكنه بالتأكيد لا يعبر عن رفاهية شاملة لكافة افراد المجتمع الفلسطيني مما يعكس علاقات قوة على خلفية
طبقية-سياسية-ثقافية-مثلية-اجتماعية داخلية اكثر تعقيدا. والمحزن في الامر، ان هذا البيان الذي من المفروض
انه يمثل المثليين الفلسطينيين ويتحدث باسمهم وعنهم، هو غير مفهوم لغالبيتهم حتى
بعد ان تمت ترجمته للعربية. فهو من الاساس جزء من خطاب حقوقي-سياسي-ثقافي-اجتماعي
المثلي الفلسطيني العام ليس جزء منه وغير منكشف عليه
مهنيا-اكاديميا-ثقافيا(انجليزيا)، مما يعبر عن حالة انفصام اجتماعي، وترجمة البيان
للعربية ليست كفيلة بمعالجتها لكنها تعكس وجودها وتعبر عنها.
طبعا من المهم التنويه ان بيان القوس حول الموضوع هو
بيان مهم جدا، ولو لم يكن هذا البيان لما استطعنا الخوض في النقاش حول القضية
المثلية والكويرية في المجتمع الفلسطيني. وفي ظل البروباجندا الاسرائيلية والتحول
الاعلامي في تغطية الحدث كان لا بد من اصدار هذا البيان وليس هناك غنى عنه. لكن
يبقى السؤال المفتوح: كيف يصب هذا في العمل المحلي للقوس وفي تطوير الفكر والخطاب
الفلسطيني المحلي حول الموضوع. والتحدي والمعضلة الأكبر هما: كيف يعمل القوس محليا على قضية هو ينكر وجودها
اساسا؟! فبحسب ما جاء في البيان لا توجد خزانة ولا يوجد سر ولا توجد فضيحة ولا
توجد علاقة مركبة للضعفاء مع الاحتلال. والمحزن (رقم 2) انه بدل الاشارة الى
المشكلة ومواجهتها يروج القوس الى حالة انكار عامة للواقع الذي نعيش فيه،
وكأنه عمليات السيطرة والاشراف والمراقبة هي حصة الاسرائيليين فقط وحصة المخابرات
الاسرائيلية والاحتلال لا غير.
الاستثمار الدبلوماسي في القضية المثلية ودور الجمعيات الفلسطينية في
الموضوع
في محاولة لفهم اعمق للامور تكتشف انه تنافسنا مع تل
ابيب بالمرة ليس نكتة. وهو ليس تنافس سياحي تجاري انما تنافس دبلوماسي. فالخطاب
الكويري الفلسطيني، للقوس في هذة الحالة، تحول خلال السنوات الأخيرة الى خطاب
يتمركز حصريا حول محاججة اسرائيل ومقارعتها دوليا ولا علاقة له بالواقع
الاجتماعي-السياسي-الثقافي للمثليين والشواذ في فلسطين. وخلافا لما اعتدنا عليه من
استثمار دبلوماسي اسرائيلي للقضية المثلية في خطاب التسامح المثلي الذي بات يشار
اليه بال "Pink
Washing"، اود هنا التطرق
الى الإستثمار الدبلوماسي الفلسطيني في الموضوع من خلال الخطاب الذي يشار اليه بخطاب
المقاطعة لإسرائيل.
بشكل عام لا يمكن التغاضي عن دور الجمعيات غير الحكومية
في الديبلوماسية غير الرسمية، وفي هذة الحالة لا يمكن التغاضي عن دور جمعية القوس
في الموضوع. فكما تستخدم إسرائيل "التسامح المثلي" لتبييض وجهها امام
العالم، باتت الدبلوماسية الفلسطينية غير الرسمية تستخدم المثلية الفلسطينية لمقارعة إسرائيل
دولياً ولتسويد وجهها في ذات الحلبة. ومن الواضح جدا ان اي دبلوماسي فلسطيني، رسمي او غير رسمي، لن
يستطيع ان يحرز اي انجاز في هذة الحلبة دون التعاون مع المثليين الفلسطينيين. وقد
يكون هذا التعاون رسمي او غير رسمي، مباشر او غير مباشر، لكن نتيجة هذا التعاون بشكله الحاضر هي
جني الانجازات الدولية دون اي تغيير فعلي او اي التزام حقيقي للقضية المثلية على
ارض الواقع.
من هنا وللأسف الشديد، وإن تماهينا كفلسطينيين مع هذا
الخطاب سياسيا، الا ان اهمال العمل على الساحة المحلية بقضاياها المحلية يشير الى
ان القوس قد وقع في شرك تعاون غير مشروط وغير محدود مع هيئات سلطة. وهكذا تتحول
عمليا القضية المثلية من قضية دفاع عن حقوق وعن حريات فردية امام السلطات على
اشكالها، الى اداة بائسة في خطاب سياسي ديبلوماسي فلسطيني وهذا ما يفسر الخطاب المثلي
السياسي المنبثق عنه الذي يصور فلسطين كفردوس المثليين على الارض. فاحراز
الانجازات الدولية من جانب واهمال الساحة المحلية من جانب اخر ما هو الا انفصام
اجتماعي-سياسي-ثقافي-طبقي عن الواقع وعن المجتمع الفلسطيني، يدفع ثمنه المثليين
والشواذ غير الكويريين في فلسطين، ف"كوير" لا معنى لها في حياتهم، وهم الاغلبية التي تجد نفسها خارج فردوس المثليين
المزعوم في فلسطين.
وللنهاية اود القول ان الخطاب السياسي الدبلوماسي الفلسطيني
(خطاب المقاطعة)، قد نجح باحتواء القضية المثلية الفلسطينية وحولها الى قضية دولية
حصريا. قضية تطرح بصوت عالٍ في المنابر الدولية وتكتم محليا. بينما، يعاني
الفلسطينيين على ارض الواقع من قلة التسامح المثلي وقلة
التسامح الجنسي العام، فهما من نصيب فئات نخبوية تتمتع بحيز من الرفاهية والحرية
السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية يمكنها من تفادي آليات السيطرة والرقابة
الاجتماعية. اما المشهد الاجتماعي العام فهو مشهد رهاب المثلية ورهاب الجنسية تعمه
مفاهيم "الفضيحة" و"العار" التي تعتمد بالاساس على السلوكيات
الجنسية للافراد.