وما ببدل حارتي ولا بقصور
بأعقاب المقاطعة الشبه مومئسسة على الأهالي العرب في عكا قامت هيئات أهلية وشعبية بتنظيم حملة لدعم الاقتصاد المحلي للتجار العرب في عكا حيث اصدرت نداء الى كل من يؤازر العرب في عكا للتسوق في عكا وقضاء الأوقات فيها، و أثارت بي هذه المبادرة المباركة بعض التساؤلات، فقد تخيلت وفود من الناس من القرى المجاورة تأتي إلى عكا للتسوق هناك وتساءلت إلى متى وكم من الوقت ستدوم المقاطعة وهل ستستطيع المقاومة الاقتصادية الصمود؟ وكيف سيكون تأثير ذلك على الأسواق والدكاكين المحلية في القرى المجاورة، فعملية توجيه الاستهلاك هذه لن تأتي بدل عملية الاستهلاك التي تتم في المجمعات التجارية الكبرى التي تزود الماركات العالمية إنما ستأتي على حساب الأسواق المحلية المشابهة لأسواق عكا في القرى المجاورة.
وتقول الأغنية..... وما ببدل حارتي ولا بقصور!
لكن بالوقت الراهن بدلت كندرتي فهي من الدو وملابسي من زارا ومن منجو ونظاراتي فيرساتشي وبأكل مكدونالد أو كنتاكي فريتشيكين وما بشرب غير كوكاكولا لايت او ببسي ماكس! وشو بقي من مدخولي الاقتصادي لحارتي.... الأرنونه وضريبة الدخل مصيرها للمؤسسة الصهيونية أو للمجالس المحلية العربية الفاشلة، والذي يبقى بعد الفوائد البنكية والرسوم المصرفية وحسابات التوفير والاستثمار وبعد مصاريف الأكل والشرب يصرف على استهلاك شخصي لماركات عالمية و/أو صناعة صينية.
لم يبقى لنا من اقتصادنا المحلي غير اقتصاد الأكل والشرب وهو بدوره بجزئه الأكبر ليس اقتصاد محلي فعمليات الإنتاج غير محلية وعمليات التسويق في الشبكات الكبرى هي أيضاً غير محلية ولا تعود بالفائدة على المحليين فقد تجدهم يعملون بأجور دنيويه أما الأرباح فتعود إلى الشركات الكبرى وبهذا يتم استنزاف رأس المال المحلي خارجياً. وقد يقول البعض ليس لدينا بديل وقد أوافق على هذا الرأي فهذه العملية تفرض نفسها علينا والموضوع لا يقتصر على أهواء وخيارات شخصية فكلنا رهائن النظام العالمي والاقتصاد العصري وهو بدوره اقتصاد عالمي قمعي ورأسمالي. (بكل معنى الكلمة عبيد رأس المال)
أما المقاومة الاقتصادية فيجب أن لا تقتصر على عكا فقط إنما أن تكون من نصيب المجتمع العربي كافة حيث المقاطعة الاقتصادية هي مقاطعة الدولة لشريحة كاملة من المجتمع فتضيق الإمكانيات الاقتصادية أمام المواطنين العرب وتشح المبادرات والاستثمارات المالية.
منذ عدة سنوات تطورت توجهات بيئية تولي اهتمام وأولوية لتشجيع الاقتصاد المحلي على الاقتصاد العالمي، فالاقتصاد العالمي العصري يضرب الاهتمامات البيئية العالمية بعرض الحائط ويستنزف الموارد الاقتصادية والثروات المحلية إلى الأسواق العالمية الرأسمالية ولهذه العملية إبعاد بيئية واجتماعية على حد سواء.
ها هي مرة أخرى تتناغم فيها المصالح البيئية ومصالح الأقليات والفئات المستضعفة، فالنظام الاقتصادي العصري له مضار اجتماعية سياسية وبيئية كثيرة لن أتطرق إليها جميعاً هنا بل سأحاول التركيز على الأفضلية البيئية للاقتصاد المحلي على الاقتصاد العالمي وسأذكر بعض الأبعاد الاجتماعية ومنها الجندرية والسياسية.
إن عمليات التصنيع والشحن والاستهلاك هي عمليات ملوثة ولها تكلفة بيئية لا تأخذ في حسابات الربح والخسارة لذوي رؤوس المال وبينما ينساب الربح في جيوبهم تتكبد شعوب العالم الخسارة البيئية الناتجة عن هذه العمليات.
عمليات الاستيراد والتصدير والتجارة الحرة بين القارات ليست بأمر حديث العهد لكن مع حلول عصر العولمة وفر "النظام العالمي الجديد" الأيدي العاملة الزهيدة في الطرف الأخر من العالم وأصبح الوصول إليها أمر سهل ومجد آخذاً بالحسبان تكاليف عمليات شحن المواد الخام والبضائع من والى ومتجاهلاً عملية استهلاك الهواء النقي/تلويث الهواء الناجمة عنها وأبعادها على ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية والتغييرات الإقليمية والمناخية التي تحدث نتيجة هذا التلوث، ومتجاهلاً الأبعاد الاقتصادية السياسية والاجتماعية لهذه التغييرات، ومنها ما أدى أو سيؤدي إلى كوارث بيئية ونزاعات وحروب أهلية أو إقليمية على غرار الصراع في دارفور وهذه بدورها لها إبعاد اجتماعية واقتصادية وجندرية فالنساء والأطفال هم النسبة الأكبر من الضحايا والنازحين في هذه الكوارث والحروب.
استنزاف رأس المال المحلي إلى الأسواق العالمية له ابعاد اجتماعية وإسقاطات بيئية على حد سواء، فأولاً يتم تفريغ المجتمعات المحلية من مواردها وطاقاتها الإنتاجية وبالتالي تحد من قدرتها على الاستثمار المرتد لتنمية المجتمع داخليا،ً نتيجة لهذا تتعاظم دوائر الفقر المحلية فتتحول هذه المجتمعات إلى مجتمعات مستهلكة وتبدأ بتوفير الأيدي العاملة الزهيدة وفي غياب الإنتاج المحلي تخضع هذه المجتمعات للأسواق العالمية وترضخ لرأس المال.
بالإضافة إلى ذلك تفقد هذه المجتمعات القدرة على رعاية وتطوير أحيائها قراها ومدنها وتفقد القدرة على توفير أو تطوير البنية التحتية الآمنة والملائمة لها، وقسراً أو مقابل مبلغ زهيد من المال وبطرق قانونية وغير قانونية تتحول هذه الدول إلى الساحة الخلفية للعالم أي إلى مزبلة العالم تستوعب نفايات العالم من ملوثات ومواد سامة ونفايات الكترونية تستهلك في دول الرفاه وتلقى في الدول المستنزفة دول العالم المستضعف.
عودة إلى عكا وسبل المقاومة.....
ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها الشارع اليهودي بمقاطعة القرى والمدن العربية، ففي أعقاب أكتوبر 2000 منهم من قاطعها رهبة ومنهم من قاطعها مبدئياً، أما ما يحدث للأهالي في عكا اليوم فهو ردة فعل للشارع اليهودي أما المقاطعة الاقتصادية فهي مقاطعة مومئسسة لها جذور وتاريخ عريق وهي مقاطعة الدولة للسكان العرب أشباه المواطنين فيها.
وتعود الأسئلة لتطرح: ما هي سبل المقاومة وكيف نطور مقاومة اقتصادية إنتاجية متكاملة ومتكافلة مع كافة أجزاء المجتمع الفلسطيني؟ وهل تكون هذه المقاومة نتاج مؤقت لرد فعل عفوي أو خطة إستراتيجية مدروسة ومخطط لها مبنية على أسس تتناغم وقواعد اللعبة المحلية-عالمية فمنذ فترة غير وجيزة تحولنا إلى الساحة الخلفية للدولة وأصبحنا قاصرين على الاستثمار في قرنا وتطوير مجتمعنا مؤسسات وأفراد وأختصر الحديث عن عملية تحويلنا إلى منبع للأيدي العاملة الزهيدة في دولة استعمارية رأسمالية.
وأين هي قياداتنا من هذا الواقع وما هي الخطة الإستراتيجية طويلة الأمد لتدعيم المجتمع فهل هي المقاومة أن ترفع علم وترمي حجر وأن تهب لنجدة عكا وتخمد بعد أيام؟؟؟
© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية.