لنبدأ اولاً بكلمة "التخلف" كما جاءت في المقالة وبمعانيها السياسية وبفحواها، "تخلف" عن من وعن ماذا؟! ما هي مقاييس "التخلف" و"التقدم"؟! هل هو "تخلف" عن الغرب كما يتضح من المقالة؟ فهل الغرب هو "التقدم"؟!!! وهل الغرب هو ما نصبو اليه وقليل من "التخلف" قد لا يضر؟!!!
لماذا تنطلق الكاتبة من منطلق أجتماعي حضاري دنيوي وكأن على مجتمعاتنا العربية ان تسعى وراء الغرب لاهثة وكأن الغرب هو نموذج النجاح والتقدم بينما ما قد نتمسك به من حضارة أو تراث أو ثقافة فهو "تخلف"!! واذا كانت ارادة "تخلفها" نابعة من الفخر بالتراث والثقافة والتاريخ الذي ننتمي اليه فكيف لها ان تعطي للأستعمار الثقافي والأستعمار الوجداني ان يستحوذ على مفاهيمها وتعابيرها فباتت لا تدرك ما تفتخر به وتعتبره "تخلفاً" الا انها فطرياً تتمسك به!!
اضافة الى ذلك أذا تحدثنا عن القليل من "التخلف" للتعبير عن تشبثنا بحضارتنا وثقافتنا فلماذا لا يكون الكثير من "التخلف"؟! فأذا عدنا الى الحضارة والثقافة العربية نجد ان المثلية الجنسية تتواجد في هذة الحضارة وفي سائر حضارات العالم منذ الأزل ولكل حضارة نمطها الخاص في التعامل مع الموضوع الا ان الكاتبة تختار تجاهل وأزدراء ثقافات العالم وحضاراته ولا تعتمد الا الغربية منها حيث تعتبرها نموذج "التقدم" وتختار التخلف عنه قليلاً!!!
قضية المثلية الجنسية في المجتمعات العربية تضع قادة هذة المجتمعات ان وجدت، امام تحديات سياسية واجتماعية من الدرجة الأولى. فتقول الكاتبة ان حقيقة وجود المثليين في المجتمع هو "واقع حاصل لن يغلبه الأنكار وادعاء الطهرانية والعفاف" فكيف تقوم الكاتبة واترابها من المنفعلين فطرياً بمواجة التحديات السياسية التي يفرضها هذا الواقع هل تحتوي مقالتها على طرح سياسي اجتماعي أم انها لعجزها عن طرح اجندة سياسية اجتماعية تقوم بالتفوه بالتراهات؟!!!
قليل من "التخلف" لن يضر لكن القليل من الغباء سوف يضر! والغباء هو ان تجهل انك جاهل فكيف يكون حالنا مع الكثير من الجهل؟!!!!
وتختار الكاتبة التطرق ال "علم النفس الحديث" وكأن علم النفس الحديث هو وليد الخمس سنوات الاخيرة، ومن لا يفهم قد يعتقد انها تفهم، فمن ناحية تزدري علم النفس الحديث ب"بدعة رهاب المثلية" الا انها تعتمد نظريات علم نفس حديث كلاسيكية من ذات المدرسة وقد أكل الدهر عليها وشرب متجاهلة بأن هذة النظريات تم ضحدها من قبل ذات المؤسسة التي انتجتها واعتمدتها سنيين طوال. وهكذا تختار الكاتبة التشبث بأشلاء وشوائب الثقافة الغربية فهي الثقافة الوحيدة التي تعاملت مع المثلية الجنسية كحالة مرضية وبهيمنتها الثقافية العالمية فرضت ثقافتها على العالم وعادت وتراجعت عنها الأ ان السيدة نسور وبعض الأطباء النفسيين العرب يختارون "التخلف" الأرادي في هذة الحالة وكأن كل ما انتجه علم النفس بعد تخرجهم من الجامعات لم يكتب بكتب وليس له وجود.
اما التناقض في المقال ففي ببعض اجزائه ينم عن شعور بالدنيوية الثقافية وبأجزائه الاخرى يطرح وجود المثلية الجنسية في المجتمع كأمر واقع وشامل لكافة المجتمعات.
فبالنسبة لرهاب المثلية فتدعي النسور ان هذا أثم المجتمعات الغربية ايضاً وليس قصراً على مجتمعاتنا العربية، واوافق مع الكاتبة الرأي فليس هناك اي أم (أو أب أو أخ أو أخت) في العالم ستفرح بأن ابنها أو ابنتها مثلي أو مثلية، فلا أحد يتمنى لأبنه أو ابنته حياة مليئة بالأضطهاد الاجتماعي حيث يوصمهم امثالك ب: "ضحايا تحرشات جنسية....(أو) أضطرابات عاطفية مع احد الوالدين" أو "كمغتصبي أطفال" أو ناقلي أمراض"........ كل هذة الوصمات الاجتماعية لا تتمناها اي ام لأبنها وان دققنا القول فأن الامهات لا تتمنى لأبنائها هذا المجتمع المضطهد وامثالك يدفع بالأمهات الى لفظ اطفالهم بعيداً عنهم خارج مجتمعاتهم لكي لا تلحق بهم وصمة العار!!!!
فيا عزيزتي نسور يا حبذا لو وضعتي نظريات فرويد المفروغ منها جانباً ونظرتي الى المجتمع بعين واقعية وحاولتي أعطائه حلول واقعية. فالمثليين ولدو ويولدون في كل البلدان في كل الثقافات والحضارات على المدار التاريخ، وجودهم هو أمر واقع لا محال (كما تفضلتي) اختيارك "التخلف" هو غباء سياسي ولا يمكن اخذ اشلاء حضارة معينة وتركيبها على ما تهوين من حضارة اخرى لأنتاج مخلوق حضاري ثقافي مشوه لا أصل له ولا فصل ولا أول من أخر.
اما بالنسبة للمثليين العرب في الغرب فهم يعانون الامرين فمن ناحية المجتمعات الغربية مازالت هوموفوبية ومن ناحية اخرى هي مجتمعات عنصرية ومضطهدة أيضاً!! و"الغربي المتعب المثقل بهموم معيشيه" الغربي الذي تصادفيه بالشارع يحتقر المثليين كما يحتقر العرب والمسلمين وهذا ما بات يدعى بالاسلاموفوبيا – وصرامة القوانين تحاول الحد من الهوموفوبيا والأسلاموفوبيا على حد سواء فما بالك اين تشأين لأبنك المثلي ان يعيش في مجتمع مضطهد ويواجه "المتخلفين" امثالك ام ان يعيش في مجتمع مضطهد ويواجه "متخلفين" وعنصريين على حد سواء؟!!! أو ربما تقترحين مجتمع أخر...
© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية واللقب الأول في علم الاحياء.
نسرين ابدعت عن جد. يسعدني القول ان هذا مقالي المفضل !!!
ردحذفرائع ومبدع جدا.