وأن تعددت الزوجات يبقى القمع واحد – تعدد الزوجات أطار ثقافي أحتجاجي أم أطار قمع أقتصادي سياسي؟

سأحاول في مقالتي هذة نص رؤية تحليلية سياسية لظاهرة تعدد الزوجات الأخذة بالأنتشار في المجتمع الفلسطيني في اسرائيل فأن نسبة انتشارها في النقب تتراوح بين 30-40% ونجدها منتشرة في الشمال أيضاً وكذلك بين غير المسلمين بأشكال مختلفة.

في البداية سأحاول الوقوف على الظاهرة واشكاليتها في عصرنا هذا ومن ثم سأنتقل الى طرح المعضلات والتخبطات الثقافية الفكرية السياسية والاجتماعية التي يجب الوقوف عليها بتأني قبل التسرع بأصدار الأحكام النمطية.

طبعا مما لا شك فيه هو معاناة النساء التي يتم هجرها لصالح الزوجة الجديدة فهي تعاني الامريين. فثمن الألتزام المزدوج الغير متكافئ لصالح المرأة الجديدة هو أهمال وأخفاق بالمسؤوليات العائلية الزوجية الأقتصادية الأجتماعية والتربوية التي التزم بها الزوج لزوجته الاولى وأبنائها وبناتها. بالأضافة ومما لا شك فيه تلاشي اخفاقات الرجل الزوجية العائلية الأجتماعية والتربوية امام الشرعية البطريركية اللامتناهية، وبهذا يقع العبئ الأجتماعي والأقتصادي بأكماله على الزوجة واولادها حيث فقدت اولاً الألتزام الأقتصادي في أطار الزواج وبما انها غير مطلقة فهي غير مستحقة للنفقة أو مخصصات الضمان الأجتماعي للأمهات الأحادية (عائلات احادية الوالد، مطلقات أو ارامل)، وهكذا تتحول الأخفاقات الأخرى التي تلاشت أصلاً الى هامشية في ظل المعاناة الأقتصادية اليومية للنساء واولادهم في هذة الحالات.

من جانب اخر تقوم الزوجة الجديدة الغير مأطرة رسمياً بأطار زواج قانوني حيث يمنع القانون الأسرائيلي تعدد الزوجات، بالحصول على أستحققات الضمان الأجتماعي بكونها أم أحادية. وهنا أفتراض بايمان قاطع بأن من يحصل على هذة المخصصات وينفقها هو الزوج وليست الزوجة الجديدة.

ولا يمكنني تجاهل خصوصية النساء المُقحمات رغماً عنهن الى هذة الوضعية – وضعية ما بين بين، لا معلقة ولامطلقة – فنجدهن اساساً نساء مستضعفات أجتماعياً أقتصادياً وسياسياً، اما النساء الممكنات فنجد ان لديهن القدرات على تخطي العقبات والخروج من هذة الوضعيات والوصول الى حلول جذرية قاطعة. ومما لا شك به ان أطار تعدد الزوجات تحول من أطار شرعي للأجابة على حاجيات أجتماعية معينة الى اطار قمع اقتصادي جندريالي بحت حيث تحول به القمع الاقتصادي الأولي الى قمع أقتصادي مضاعفاً ومحتم.

سأقتصر الحديث عن سلسلة المعاناه التي تواجهها النساء في السعي وراء حلول من خلال المؤسسات والمحاكم المدنية الأسرائيلية أو من خلال المحاكم الدينية الشرعية والنظم الأجتماعية المتعارف عليها فهي من جميعها تخرج بكفي حُنين. وبما ان القهر والاضطهاد الممارس ضد النساء في هذا الاطار هو ذو خصوصية أقتصادية بحتة، فأن عملية البحث عن حلول لا بد ان تشمل هي أيضاً جوانب أقتصادية بحتة.

عملياً أن كل عقد زواج اي كان هو نوعا ما عقد أقتصادي، يلزم من يشارك به بضمان متبادل وبشراكة تامة وشاملة. فعملياً المردود المادي الناتج عن عمل احد الزوجين خارج المنزل في حين يقوم الاخر بالمواظبة على الأعمال المنزلية صيانة المنزل ورعاية الاطفال هو مردود مادي مشترك من نصيب الأثنين بالتساوي، ولا يحق لأي من الزوجين حجبه أو منعه عن الأخر. ومن هذا المنطلق تقر المحاكم المدنية بتوزيع الاملاك بين الزوجين بشكل أو باخر في حالات الطلاق ومن ذات المبدئ يستحق الأرمل او الأرملة مخصصات التقاعد في حالة وفاة احد الزوجين، وكذلك مخصصات الشيخوخة والضمان الأجتماعي في حالة فقدان اي منهم القدرة على العمل.

النساء في حالات تعدد الزوجات تعاني اولاً القمع السياسي حيث تتجاهل المؤسسة الشرطوية والحقوقية الاسرائيلية توجهاتهن بعذر التعددية الثقافية وتتواطئ المحاكم الشرعية مع هذة السياسات لتشد أزر البطريركية الذكورية الرأسمالية (المتملكة للنساء) التي بدورها تغذي برد فعل رجعي سلطوية المؤسسة الحاكمة. ثانياً القمع الأجتماعي فأن كان الطلاق هو السبيل للحصول على الحقوق الأقتصادية الا ان حالة المطلقات الاجتماعية ليست بأفضل من حالة النساء المهجورات، وبالمحصلة يثلث القمع ليكون سياسي أجتماعي أقتصادي.

فان لم ينصفهن القضاء ولم ينصفهن الطلاق، أي لم تنصفهن اي من المؤسسات المدنية أو الدينية أو الأجتماعية فلا بد للنساء بالتوجه الى رفع دعوى جزائية حيث لا يحق للزوج بالتصرف بدخله على اهوائه، فقد يبذره على المرأة الثانية أو الثالثة او الرابعة أو قد يبذره على تفاهات اخرى خالاً ب ومتنصلاً من التزاماته في عقد الزواج الاول لزوجته الاولى ولأبنائها منه.


قد يكون اقتراح رفع الدعاوي الجزائية أقتراح ساذج وحالم فالتوجه للقضاء وان بدعوى جزائية يتطلب أيضاً قدرات وموارد دعم اجتماعية وأقتصادية ولكني من هنا اريد الأنتقال الى المعضلات السياسية الأيديولوجية حول الموضوع لتكن نقطة أنطلاق لبناء أستارتيجيات مجتمعية.

وهنا تستوقفني حالات تعدد الزوجات التي تتعامل بها النساء مع الوضعية القائمة كوضعية عادية ليس فيها اي من أشكال القمع والأضطهاد وتأخذني الى مواقف لم أتوقعها، فقد تكون نقطة الأنطلاق النسوية الأولى المناهضة لظاهرة تعدد الزوجات لما فيها من قمع واضطهاد جارف للنساء تنطلق من فرضيات خاطئة وتسعى عفوياً وراء نموذج ونمط كولنيالي رأسمالي كنسي، وهو أطار الزواج الثنائي المونوجيمي، غافلة ان نماذج الزواج والاطر العائلية أختلفت بين الحضارات المختلفة.

أن المجتمعات البطريركية على أطرها المختلفة ترتبط بشكل مباشر مع الرأسمالية التملكية حيث تفقد فيها النساء والأطفال مكانتهم المستقلة فتكون ملك للرجال. أما في حضارات أخرى ومنها المطريركية التي انتشر العديد منها بآسيا وبأفريقيا وبأمريكيا ما قبل الأستعمار الأوروبي على أشكاله، فقد نسبت الأطفال الى أمهاتهم ولم يكن للأب دور مركزي في تنشأة الطفل أو في حياته العائلية أو الأجتماعية، وفي بعض الحضارات الاخرى أختلف مفهوم العائلة أن وجد أصلاً وأختلفت انماط العلاقات الاجتماعية عن الانماط المتعارف عليها اليوم في عالم ما بعد الأستعمار.

كذلك الأمر بالنسبة للحضارات الأسلامية فقد تواجد بها انماط حياة عائلية وزوجية مختلفة بالأضافة الى النمط الثنائي المونوجيمي، وأفترض أفتراض عبثي بأن الأشكاليات النابعه من ظاهرة تعدد الزوجات التي يعاني منها المجتمع اليوم هي أشكاليات عصرية نابعة عن تراكمات قمعية على مستويات مختلفة، وأفترض أيضاً ان ظاهرة تعدد الزوجات لم تكن منتشرة بشكل جارف كما هي اليوم أو ربما لم تكن ذلك الاطار القامع كما هي اليوم او ربما نعم ويجب ان نأخذ بعين الاعتبار الفترة الانتقالية ما بين الجاهلية والأسلام حيث لا يوجد لدي أي فكرة عن الأنماط العائلية والزوجية التي اتبعت حينها وأفترض انها لم تتلاشى جميعها بين ليلة وضحاها.

وبأعتقادي أننا كنسويات قد نخطأ الهدف بأستهداف تعدد الزوجات كأطار أشكالي بحد ذاته، وأن كان الاطار غير منصف ليبراليا ولكن وبما انني من مناهضات الليبرالية فلا ارى بنقص الأنصاف الجندريالي الليبرالي الكمي اشكالية اساسية أو جوهرية، أنما بعمليات القمع، الأضطهاد والأستضعاف اللولبية المغذية واحدة للأخرى والقابضة باحكام على أنفاسنا وتطلعاتنا فمن من النساء الممكنات أقتصاديا أجتماعيا وسياسيا أقحمت الى أطر أو مسارات رغماً عنها؟! وان تم ذلك بشكل او بأخر فقدرتها على الخروج من لولبيات القمع تعتمد مواردها الاجتماعية السياسية النفسية والاقتصادية. فلنعمل على توسيع هذة الموارد وعلى تقليص دوائر الأضطهاد وليس بعمل تدعيم فرداني موضعي أشبه باخماد الحرائق، انما بعمل جماعي من خلال مشروع أجتماعي سياسي شامل لكافة الهيئات والأطر الحزبية والسياسية والأجتماعية التي تزعم العمل على أجندات تحرر وهي غالباً ما تكون أجندات انتقائية غير شمولية فتبني وهماً فرضيا مؤقت نتيه فيه الى أجل غير مسمى.


© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية نسوية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية وعلى اللقب الاول في علم الأحياء.