ستون عام - الناصرة ما بعد النكبة


دعوت قبل سنتين من قبل احد الجمعيات النسائية التي تتداول موضوع النكبة للحديث عن تأثير النكبة على حياة النساء في الناصرة اليوم، في البداية لسبب أو لأخر امتعضت من الموضوع وفي نهاية الأمر وجدت نفسي أقص قصة تاريخية سياسية اجتماعية بيئية لتشرح أثار النكبة على النساء في الناصرة اليوم.....

كثيراً ما كتب عن تأثير النكبة على مكانة المرأة الفلسطينية، في أغلب الأحيان نتكلم عن المرأة الفلسطينية الريفية التي اعتمدت حياة الزراعة والريف وكانت شريكة في الإنتاج العائلي والمجتمعي وبالتالي في الاقتصاد الزراعي المحلي مما عزز مكانتها العائلية والاجتماعية ومع حلول النكبة فقدت العائلات الفلسطينية أراضيها، مصدر رزقها الأساسي، وتحول أرباب العائلة إلى أجيرين لدى المستعمر الصهيوني، واتسعت الهوة بين الحيز العام والخاص، ووجدت الكثير من النساء نفسها جليسة البيوت تعتمد وعائلتها بمعيشتهم المعيل الوحيد.

أما المجتمع الفلسطيني فلم يقتصر على المجتمع الريفي فقط، والنساء في الناصرة وحيفا وعكا ويافا واللد لم تكنّ ريفيات ولم تكتسبن مكانتهن من الشراكة الإنتاجية الزراعية فكيف أثرت النكبة على حياة هذه النساء وبالأخص على حياة النساء في الناصرة المدينة الفلسطينية الوحيدة في فلسطين ما بعد النكبة.

حياة المدينة ومبنى المدينة بطبيعتهما يختلفان عن حياة ومبنى الريف، أما صيرورة التمدن فهي ظاهرة عصرية عالمية حلت مع حلول الثورة الصناعية حيث نمت المشاغل والمصانع واستقطبت الأيدي العاملة من الريف إلى مراكز سكانية تحولت فيما بعد إلى مدن التي بدورها تطورت إلى مراكز سياسية اقتصادية وثقافية، وعادة ما تتم الهجرة إلى هذه المدن كهجرة أفراد أو أزواج شابه أما للبحث عن العمل والرزق أو للبحث عن الحرية والاستقلالية الفردية.

المجتمع الفلسطيني كان جزء من هذه التطورات العالمية ففي بداية القرن العشرين كانت المدن الفلسطينية في أوج صيرورة تمدن (urbanization)، وهي عملية تطور المدن وتحول نماذج الحياة إلى مدنية. على رأس هذه الصيرورة كانت المدن الفلسطينية الرائدة وفي أسفل القائمة كانت الناصرة مدينة صغيرة وهامشية.

مع حلول النكبة عام 1948 هدمت كافة المدن الفلسطينية وهجرت من أهلها، وبهذا تم القضاء على القيادات السياسية والاجتماعية وعلى المراكز الثقافية للمجتمع الفلسطيني. أما الناصرة فرغم كونها مدينة صغيرة وهامشية إلا أنها تتمتع بمكانة عالمية مما شكل رادعاً أمام اعتداءات المحتل.

ومع حلول النكبة دخلت الناصرة إلى صيرورة معاكسة لصيرورة التمدن (deurbanization) حيث تم النزوح إلى الناصرة قصراً وكانت "الهجرة" جماعية عائلية حمائلية انتقلت بها قرى بأكملها للسكن في الناصرة.

هذه الهجرة لم تحول الناصرة إلى قرية فهي كمدينة صغيرة تفتقد الطابع والمميزات الريفية، لكنها مع الزمن أفقدتها الطابع المدني الاجتماعي والبنيوي وتحولت الناصرة الى مسخ سكاني يفتقد الطابع الريفي ويفتقد الطابع المدني. امتدت هذه العملية على مدار سنوات أدت إلى تغييرات بيئية واجتماعية جذرية امتزجت بسياسات قمعية عنصرية وصلت أوجها في سنوات التسعين.

في البداية، وبكونها المدينة الفلسطينية الوحيدة في فلسطين ما بعد النكبة، تطورت الناصرة كمركز سياسي ثقافي اجتماعي واقتصادي ووصلت أوجها في سنوات السبعين وكانت النساء جزء من هذه الصيرورة وانعكس هذا بطابع حياتهن الاجتماعية الثقافية والسياسية، بالمقابل نمت مجموعات ريفية محافظة وبطبيعة المبنى الاجتماعي العائلي والجماعي الآتين أمام تأثيرات المدينة لم تستطيع المدينة، أو في هذه المرحلة يمكن القول "شبه المدينة" أن توفر الحريات والمساحات والخدمات التي توفرها كل مدينة لسكانها، فتقلصت وتلاشت المراكز الثقافية وأزداد التباين بين الحيز العام والخاص مما حد من الحريات الفردية والجماعية وبالأخص من حريات النساء حيث تدفع الثمن الأكبر للحريات المفقودة في المجتمعات المقموعة.

في هذه المرحلة لا يمكن تجاهل عاملين أضافيين كان لهم دور في هذه الصيرورة المعاكسة الأول آلا وهو العامل السياسي حيث تم تفريغ الناصرة من مؤسساتها الحكومية والخداماتية، وتمت مصادرة ما تبقى لها من الأرض وتطويرها كمساحات صناعية ومراكز تجارية مجاورة خارج عن نطاق المدينة ونفوذها مما أضر في اقتصاد البلد والحركة الاقتصادية فيها وكان أوج هذا المسار "موت" السوق قلب البلد النابض.

أما العامل الثاني فهو تطور وظهور مراكز وقيادات سياسية في قرى فلسطينية أخرى منافسة للناصرة في تفردها بهذا المركز حيث أفقدتها مكانتها وتميزها السياسي وعلى رأس هذه القرى، سخنين وعرابة ودير حنا، في أعقاب يوم الأرض 1976، وفيما بعد أم الفحم والنقب.

في اعقاب النكبة دخلت الناصرة كباقي البلدات الفلسطينية إلى مسار فقدت فيه المدينة طابع المدينة والقرية طابع القرية وتحولت البلدات العربية إلى مجمعات سكانية مكتظة اجتماعياً، توفر أيدي عاملة زهيدة، تفتقد مقومات الحياة الريفية والحياة الثقافية والاجتماعية المدنية، وتنعدم فيها فرص الاستقلالية المادية والاجتماعية والثقافية وبالتالي فرص تحقيق الحريات الشخصية والحريات الجماعية.

أحداث أكتوبر2000 أدخلت البلدات العربية ومن ضمنها الناصرة إلى مفصلية أخرى تظهر بها بوادر ثقافية اجتماعية اقتصادية مختلفة، وقد تكون يقظة ما بعد الصدمة وعودة المدينة الى صيرورة التمدن بعد 60 عام من النكبة، هنا وهناك تظهر مبادرات شخصية تبحث عن فرص لتحقيق الذات والتطلعات الفردية في السياقات الجماعية والتحدي الأكبر هو تطوير رؤية سياسية منهجية محلية للسعي قدُماً في هذه المسارات بالرغم من السياسات القمعية.

بالإضافة إلى ما ذكر لا أتجاهل التطورات والمستويات العالمية التي بدورها أثرت وتؤثر على التطورات المحلية الاجتماعية السياسية والاقتصادية لكن للحد من الموضوع لن أتطرق لهذه المواضيع هنا.


© حقوق النشر محفوظة


نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية.

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف28/4/08 13:13

    it´s impossible to understand something.....kisses

    ردحذف
  2. :)
    for internationals need more than to undersatand the language
    thanks for being here

    ردحذف