أصدقاء الرفق بالحيوان - في اليد الأولى يطعمون وفي الأخرى يخصون

أحدى القضايا التي لا تشغل بالنا ولا نتعامل معها بل بالعكس في كثير من الأحيان تثير فينا السخرية هي قضايا الحيوان البعض قد يقول "الرفق بالحيوان" والبعض قد يقول "حقوق الحيوان".

أحدى الأفكار المسبقة عن القضايا البيئية وعن الأشخاص البيئيين أنهم من "جماعة الرفق بالحيوان"، ويوجد خلط بين القضايا البيئية وبين قضايا الرفق بالحيوان، إلا إن الواقع غير ذلك ففي كثير من الأحيان قد يتم "الرفق بالحيوان" بطرق غير منطقية بيئياً على الإطلاق وأكثر من ذلك فقد تكون هذه الطرق مناقضة لكل القيم البيئية الطبيعية والأخلاقية على حد سواء.

أحدى الظواهر الطريفة والمزعجة على حد سواء في المدن ذات الطابع الغربي، هي ظاهرة أطعام منهجي لقطط الشوارع في الأحياء والأماكن العامة، في كل حي قد تجد "ضمير الحي النابض" وعادة ما تكون امرأة تجول في الشوارع صباحاً أو مساءً لتوزع الطعام على القطط "الميتة جوعاً"!!!

وما يزيد العجب إن نفس الأشخاص الذين يقومون بإطعام هذه القطط هم من يقومون بجمع القطط وإرسالها إلى العيادات البيطرية لأخصائها ومن ثم أعادتها إلى الحي وهم من يطالبون بسن قانون يلقي بعبء هذه النفقات التي يتكبدونها شخصياً في الوقت الراهن على مصروف الدولة العام، وقد تم مناقشة اقتراح قانون في الموضوع في كانون أول من العام 2007.

شخصياً هذا الأمر يثير استيائي فكثرة القطط في الحي يتحول إلى عبئ وبلاء على سكان الحي ولا نغفل أن هذه الحيوانات قد تحد من وجود الحيوانات المضرة الأخرى لكنها بدورها تنقل الاوبئة والأمراض المختلفة خاصة وإنها تجول معظم أوقاتها في حاويات النفاية.

كثيراً من أصدقائي أصحاب "النفوس الجميلة" يأخذون على عاتقهم أطعام قطط الحي وطبعاً القطط "أولاد الأكابر" لا يأكلون ما تبقى من الطعام البيتي إنما "دوغلي" و"كاتلي" وهلما جرا.... وعندما ينفق الشخص أمواله الخاصة على حيواناته البينية هذا أمر وعندما يصرفها على "حيوانات الشوارع" فهذا أمر أخر فيه من الغرابة والدهشة ما لا يمكنني استيعابه، ولا يمكن تجاهل الابعاد والمصالح التجارية لهذه الموضة كاي موضة يتم ترويجها على انها الأفضل والأصح.

لكن أكثر ما لا يمكنني استيعابه وما يثير امتعاضي في هذه القضية هو عملية اخصاء هذه الحيوانات، لماذا؟!!! وبأي حق؟!!! فيكون الجواب: "لكي نحد من تكاثرها فهي تعاني الجوع وقلة الطعام". لكن إذا أردتم الحد من تكاثرها فلا تطعموها وهكذا بدل أن تلد القطة ستة جراء موسمياً ستلد أربعة أو ثلاثة فيكون الجواب: "إذا لم نطعمها فستموت الجوع" لكن إذا أطعمتموها ستعيش أكثر وتنجب جراء أكثر ليولدوا إلى عالم لا يجدون به طعامهم فيكون الجواب: "لهذا نقوم بأخصائهم" وأعيد الكرة لكن بأي حق؟!!!

بأي حق نعين أنفسنا أولياء على هذه القطط وبأي حق نقوم بأخصائها لماذا لا ندع الطبيعة تسيير الأمور لتقوم بموازنة أعداد القطط بحسب كمية الطعام المتوفرة في الطبيعة/في الشوارع. فيكون الجواب: "إننا منذ زمن لا نعيش في الطبيعة ويجب أن نأخذ مسؤولية على الحيوانات التي ترافقنا في حياتنا الحديثة"، "ولماذا لا نأخذ هذه المسؤولية على الجرذ والحمام والفئران فهي أيضا حيوانات رافقت الإنسان في نمط حياته الحديث؟"

في هذا الأمر ما يثير التناقضات الكثيرة فالكثير ممن يطعمون ويخصون يقومون بالعمل العيني المحدود دون التفكير بالأبعاد العامة والشاملة لهذا العمل ودون التفكير بالمنطلقات التي تقودهم للقيام بهذا العمل، فإذا كانت المنطلقات حباً في الحيوانات فتقع على عاتقهم مسؤولية ولادة أعداد أكبر من هذه الحيوانات لمعانه يومية وعملية الاخصاء تزيد من هذه المعاناة فالقط ألخصي الذي يعود للتنافس على الطعام أمام الذكور الأخرى مصيره حتماً الموت، ومع انعدام البيئة الطبيعية فالغرائز الحيوانية الأساسية هي ما تبقى لهذه الحيوانات في صراع البقاء وان شأنا أو أبينا لا يمكننا أن نمنع هذا الصراع. أما إذا كانت المسألة مسألة ضمير أو مسألة أخلاقية فبأي حق نعين أنفسنا أولياء على هذه الطبيعة وعلى هذا العالم وعلى هذة الكائنات؟! فالكوارث البيئية التي نعاني منها اليوم هي مسؤوليتنا، مسؤولية الإنسان الذي يعتقد أن له من العلم ما يكفي ليمكنه من تسيير أمور هذا العالم، ومن اهم ما نجهل أننا نجهل هذا العالم أكثر مما نعرفه وكلما تدخلنا في الطبيعة وحاولنا السيطرة عليها وتسيرها بحسب اهوائنا اعادتها لنا الطبيعة بضربة قل ما استطعنا تصليح ما هدمنا بها منها.

فاستعمال الكيماويات والمبيدات الحشرية في الزراعة أدى إلى تسمم الأطفال الرضع والحد من تطورهم وموت الأراضي الزراعية، وبناء السد العالي أدى إلى ضرب الزراعة المصرية بشكل لم يتوقعه أحد، والاعتماد على حرق النفط كمصدر الطاقة الأساسي يزيد من ارتفاع الحرارة على وجهه الكرة الأرضية وفي حين نناقش صحة الموضوع أو عدم صحته تعود علينا الطبيعة بكوارث طبيعية لم تشهد البشرية تكرارها بهذا السرعة أبداً وحتى يومنا هذا ما زلنا نصحو على هذا الواقع في وقت متأخر... لا لا ادعو للعودة للحياة في ألمُغر، لكن قليلاً من التواضع والتروي لن يضر بكرامة البشر فنحن جزء من هذه الطبيعة ولسنا رأساً لها ومهما اكتسبنا من الحكمة فأبداً لن نكون حكيمين أكثر منها.


© حقوق النشر محفوظة

نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية.

هناك تعليقان (2):

  1. أحب أقول للأستاذة كاتبة الموضوع إن دى مش الطبيعة اللى ربنا خلقهم عشان يعيشوا فيها .. ربنا سبحانه و تعالى لما خلقهم خلقهم فى البرية مش فى الشوارع .. و لما الإنسان جاء على الأخضر و اليابس أصبح مصيرهم الشوارع حيث لا يجدون قوت يومهم .. لإن فى البرية لا يوجد المخاطر الموجودة فى الشارع من عربيات و طوب الأطفال و خلافه ... و كمان فى الطبيعة لا يأكلون من القمامة بل يعيشون على الصيد .. بينما فى الشارع لا تتوفر لهم فرائس لإصطيادها حيث عدد الفئران قليل للغاية ... و أحب أقوللها كمان إن صغيرة القطة تسمى هريرة و ليس جرو .. فالجرو هو صغير الكلب ... واضح إن حضرتك مثقفة جدا .. هههههههه

    ردحذف
  2. نسيت أقول حاجة مهمة و هى أنى ضد خصى القطط .. ضد ذلك بشدة .. و لكن مع إنشاء جمعيات لتوعية الناس بأهمية حقوق هذه المخلوقات الضعيفة التى لا حول لها و لا قوة ... و أنا أيضا ضد المقارنات السخيفة اللى بيعقدها بعض الناس لما يشوفوا حد عامل جمعية رفق بالحيوان و يقولوا الإنسان أولى ... الإنسان ربنا إداله عقل يفكر بيه و لابد له من الإعتماد على نفسه و كفاية بقا جمعيات التسول و الشحاتة اللى فاتحة من أمثال رسالة و غيرها بيجمعوا تبرعات بالمليارات و لم نجد تحسنا فى أحوال الناس بل إنها تزداد سوءا لإن ببساطة مشاكل الإنسان مش الفقر .. مشاكل الإنسان الظلم و الفساد و الرشوة و ضياع الفرص و إنحدار الأخلاقيات .. كفاية تسول بقا قرفتونا ..

    ردحذف