أزمة السيولة المصرفية في قطاع غزة: تحدي آليات القمع الاقتصادية - مفاهيم في البطالة والمال

(بأي حال عدت يا عيد)

نشرت على الحوار المتمدن، تجدونها هنا

 ربما ما يحدث في قطاع غزة هذه الأيام من انعدام السيولة المالية ليس بالفريد لقطاع غزة، فقد تنعدم السيولة المالية لأسباب عديدة ومنها الأزمات الاقتصادية ومنها الأسباب السياسية كالمقاطعة أو محاولة توجيه السوق بحسب رؤيا اقتصادية معينة.

لن أتطرق مباشرة إلى أزمة السيولة المالية في قطاع غزة، لكن ما سأطرحه مرتبط ارتباط مباشر بما يحدث في غزة أو الضفة أو أي مكان أخر يعاني من قمع اقتصادي، كذلك فأن الموضوع مرتبط ارتباط مباشر بالقضايا البيئية محلياً وعالمياً ولن يسعني التطرق إلى هذه هنا وسأحاول ذلك في مقالات لاحقة.

عادة ما يقف خلف شبح البطالة عاملين أساسيين الأول فائض في الأيدي العاملة أو بكلمات أخرى عدم وجود حاجة إلى هذه الأيدي العاملة، والثاني عدم وجود مال لتمويل هذه الأيدي العاملة، وقد يدعي بعض الغوغائيون بأن العاطلين عن العمل هم أشخاص كسالى لا يريدون العمل لكن باعتبار أن هذه ليست هي الحالة العامة إنما الخارج عن العام فلن أتطرق إلى هذا الادعاء هنا.

يصعب علي تخيل شخص بصحة سليمة يستطيع القيام بعدة أمور أو أعمال، تعود بالفائدة على أو يحتاجها شخص أخر في المجتمع، عاطل عن العمل لأحد السببين الوهميين المذكورين أعلاه.

إحدى الاستراتيجيات التي اتبعها النظام الأمريكي تحت قيادة روزفلت سنة 1932 للخروج من الأزمة الاقتصادية الكبرى التي حلت بالعالم في أواخر العشرينات من ذلك القرن، كانت المبادرة إلى خلق أماكن عمل بواسطة المبادرة إلى مشاريع محلية وقومية، مثل عمليات التشجير وتقليم الحدائق العامة، شق الشوارع، بناء سدود وتطوير محطات طاقة وما شابه. كل هذه العمليات عادة بالفائدة على المجتمع الأمريكي ووفرت خلال تسعة أعوام ثمانية ملايين مكان عمل في 250 ألف مشروع في أرجاء الولايات المتحدة لثمانية ملايين عاطلين عن العمل في بداية العقد السابق.

أذاً فالبطالة هي شبح ويمكن لأي حكومة أو سلطة أو قيادة شعبية محلية جماهيرية أن تتخطاه، ولكن....... كيف يتم دفع الأجر في حالة عدم وجود المال؟!!!!

للإجابة على هذا السؤال سأعتمد مستويين الأول مستوى الحكومات والمؤسسات الاقتصادية الكلاسيكية، والثاني وهو الأهم حيث يشكل آلية مقاومة اقتصادية في أيدي الجماهير القيادات الشعبية والمجتمعات المحلية، وهو يتطرق إلى مفهومنا للمال تعاملنا معه ودوره في تحريك الدورة الإنتاجية محلياً وعالمياً.

عودة إلى أزمة ال1927 والاستراتيجيات الأمريكية، من المثير في الأمر أن النظام الرأسمالي الأمريكي اعتمد في إستراتيجيته للخروج من الأزمة المالية آليات الضمان والرفاه الاجتماعي فبالإضافة إلى خلق الملايين من أماكن العمل قامت الحكومة الأمريكية بإعطاء منح تعليمية وقروض بشروط سهلة ووفرت الدعم المادي للمحتاجين، بالإضافة إلى مِنح وجوائز مالية وزعت على الكتاب والفنانين وبهذا ساهمت في تطوير الثقافة وسهلت مناليتها لدى فئات مختلفة من المواطنين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين أتت الولايات المتحدة بهذه الأموال خلال أزمة اقتصادية من أكبر الأزمات التي شهدها العالم حتى تلك السنوات؟ وربما من الأصح أن نسأل كيف ومن أين "خلقت" الولايات المتحدة هذه الأموال للخروج من ركودها الاقتصادي؟!!! وهي بالفعل "خلقت" هذه الأموال فجزأ منها بالدين مقالب سندات ضمان أو سندات توفير تقوم الحكومة بإصدارها وبيعها للمواطنين ولدول أخرى، (ديون الولايات المتحدة للصين واليابان ودول أخرى، تزيد عن عشرة الأف مليارد دولار، وهي تفوق ديون الأرجنتين للبنك الدولي في أزمتها الاقتصادية عام 2001، 130 مليارد)، والجزء الأخر قامت بإنتاجه أي بطباعته بكل معنى الكلمة، طبعاً آخذة بالحسبان التضخم المالي وعوامل اقتصادية كلاسيكية أخرى لن أتطرق إليها هنا، لكن الأهم في الموضوع ان الأوراق النقدية ما هي إلا أوراق مرسومة يتفق الجميع على احترامها وإعطائها قيمة معينة لتقييم عمل معيين أو نتاج لعمل معيين قام شخص ما أو عدة أشخاص القيام به ويمكن طباعتها في كل لحظة من الزمن.

أذا كانت الأموال وسيلة لقياس/تقييم عمل/نتاج عمل معين كما هي الساعة وسيلة لقياس/تقييم الزمن وكما هو المتر وسيلة لقياس/تقييم المساحة فهل يتوقف الزمن عند توقف الساعة، وهل تنعدم المساحة في غياب المتر فكيف يتعسر العمل/الإنتاج/التداول/المقايضة في غياب الأموال، كيف للسيولة البنكية أن تتحكم في الإرادة المجتمعية للعمل والحياة كيف للركود الاقتصادي أن يتحول إلى ركود إنتاجي، أين المنطق في هذا؟؟!! فإن تحولت الآليات الاقتصادية إلى آليات قمعية في أيدي السلطة تستخدم للسيطرة وللعقاب فهل لنا أن نستسلم لهذه النماذج ولهذه المعايير أم يمكن لنا البحث عن والسعي وراء نماذج ومعايير جديدة تقلب الواقع وتكسر أسر الوهم والمال؟!!

نماذج اقتصادية بديلة - اقتصاد محلي جماهيري

أحدى الاستراتيجيات التي تستعملها العديد من المجموعات في الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أمريكا ألاتينية ودول أوروبية ومنها هولندا، بلجيكيا وألمانيا لتعزيز المجتمعات المحلية ولصد استنزاف النظام المالي العصري للطاقات البشرية وللثروات المجتمعية والبيئية المحلية هي التداول بعملة محلية تقوم هذه المجموعات بإنتاجها /طباعتها بنفسها، هذه العملة لا ترتبط بفوائد مستقبلية، على مثال المصارف الإسلامية، ولا يمكن التداول بها خارج الأطر المحلية أي ليس لها قيمة خارج المجتمع المحلي وبهذا يمنع استنزافها إلى الخارج وهكذا تقوم بدورها الأولي وهو تحريك عمليات التداول والإنتاج داخل المجتمع.

هذه النماذج يعود تاريخها إلى التسعينات من القرن السابق أو ربما أكثر ويمكن قراءة المزيد عن مجموعات مختلفة تقوم بإنتاج وطباعة عملتها بنفسها: LETS - local exchange trade system وليس بالمفاجئ أن بعضهم أطلق عليها اسم: دولارات الحرية أو دولارات المساواة أو كتب عليها in community we trust، فهي تحرر المجتمعات المحلية من سيطرة رأس المال تعيد لهم حيويتهم وكرامتهم وتحيي ثقافتهم تراثهم وتعزز البنية الاجتماعية.

نموذج أخر هو بنك الوقت: وفيه يتم التداول بالساعات، ساعة مقابل ساعة. لقد كانت هناك محاولة لتفعيل بنك وقت في بعض الأحياء في القدس الغربية إلا أن هذه المحاولة كانت فاشلة لعدة أسباب منها أنها تحولت إلى عمل تطوعي خيري ولم يتعامل الناس معها كنظام بديل. احد أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك هو القانون الإسرائيلي الذي يمنع هذه النماذج البديلة حيث لا يستطيع النظام أن يفرض ضريبة الدخل على هذه النماذج بالإضافة إلى أنها قد تؤدي إلى خروج كم لا يستهان به من الأموال/الأرقام من معايير ومقاييس النمو الاقتصادي والدورة الاقتصادية "الوطنية" وبهذا يمنع القانون الإسرائيلي، متجاهلاً الفوائد الاجتماعية التي تعود فيها هذه الطرق على المجتمع وعلى تنميته، تبادل ساعات عمل مهنية ويمكنك فقط تبادل "ساعات الهواية" أو كل ما لا تعتمده لمعيشتك.

كذلك كانت هناك محاولة أخرى، في الشمال استبدلت العملة بالخرز وقد دامت لعدة سنوات إلا أنها توقفت عن العمل للسبب ذاته.

في بعض النماذج تعتمد هذه النظم تعاون بين السلطة المحلية والسكان، حيث تأخذ البلدية دور في تنظيم وتشجيع التداول بالعملة المحلية وتقوم بدفع قسم من اجر الموظفين وتلقي الضرائب البلدية بعملة محلية.

وأخيراً هذه النماذج والنظم لا يمكنها أن تكون بديل شامل للنظام المالي الحالي، لكنها قد تكون جزء من نظام بديل يعتمد ثلاث مستويات اقتصادية: مستوي عالمي، مستوى الدولة، والمستوى المحلي حيث يمكّن هذا الفصل من السيطرة على مطامح الرأسمالية ولجم رسنها.

عودة إلى غزة، أولاً لماذا لا يبادر الشعب الفلسطيني بطباعة أمواله بذاته، فإذا كان لمؤسسة أو لأخرى عشرة ملايين دولار محتجزين في الخارج فلتقوم بطباعة عشرة ملايين ليرة/دينار فلسطيني حيث تعتمد هذه الأموال المحتجزة في الخارج كما اعتمد الذهب في السابق. ثانياً لماذا لا يمتنع الفلسطينيين عن التداول بالشاقل الإسرائيلي فيما بينهم بتاتاً فكل تداول كهذا يضاف بشكل ايجابي إلى مؤشر النمو الاقتصادي الإسرائيلي، الذي يعتبره الكثير من السياسيين كمؤشر نجاح، فإذا كان الاحتلال ذو مقومات اقتصادية فوجب على المقاومة أيضا أن تتحلى بمقومات اقتصادية.

(وينعاد علينا بحال أفضل من هذا الحال)


© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي – ناشطة اجتماعية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية.

هناك 5 تعليقات:

  1. غير معرف10/12/08 04:17

    كتابه رائعه وسرد أفكار مشيّق.
    عقبال عنا بمدونه :)

    نيروز

    ردحذف
  2. غير معرف10/12/08 07:41

    Dear Nisreen
    Your brilliant article not only suggests but practically provides solutions to economic world problems, namely, Gaza's problem. I believe that you should promote this piece and advocate your solution to economic institutions in Gaza.
    Keep up the admirable work
    Ghadir

    ردحذف
  3. Thank you dears
    your feedback is very important for me
    :)

    ردحذف
  4. غير معرف11/12/08 13:10

    Nisreen,

    It is an interesting article and you added some interesting topics to it. Yet I think that there is a basic lack of understanding of the term of currency and the exchange of currency.

    The currency is not only a Paper or some Metal. This paper is more like an agreement.

    It looks and sounds good to say :" why not to print our own currency" but it is not practical.

    In those days when we were farmers, people would exchange a 1 tomato for 2 onions, but today we are less productive poeple and more service oriented poeple and therefore indeed we can exchange "hours" of our professiency.

    After all, in Gaza they need to buy food, and you cannot buy it with paper that worth nothing. printing paper doesn't give it any value even if you write on it 10000 dinar. This might be possible only if the production is 100% local - including raw material or after selling some of the products where they recieve a paper with value so they can exchange it with some missing products.

    How do you think they are supposed to get this ink that that print the currency with? They need to exchange it with something, something with a value, doesn't have to be a paper.

    Anyway...keep on writing ;-)

    ردحذف
  5. hi dear

    ya i agree with you totally
    its agreement that build on trust
    if you say me that this 50 purple shekels worth nothing for you and others tell me the same too i have nothing to do with it, it worthless….
    but if you say that you can give me two hours of yours or two kilos of meat by changing this read paper with its white flower and others say that they will take from you instead of two hours of them or instead of 10 kilos of apples then this red meaningless paper will have a value


    and i don't say this is solution for the problem of Gaza today, there is almost no communities that can exist by their-self
    we have a lot of necessary exchange that we do between communities and countries
    Gaza can't be independent from the world, but can change part of the controlling-game's lows, independent from Israel at least they should be, and today independent doesn't mean to have a land and flag it is much more

    kisses and keep reading ;-)

    ردحذف