تجدونها هنا
مقدمة:
يتعاظم في السنوات الأخيرة الخطاب البيئي، وقد تحول الى أهم الخطابات السياسية عالميا حيث يضع القضايا البيئية على رأس الأجندات السياسية للدول العظمى والتحالفات السياسية الدولية. ليس صدفة أن الأجندات السياسية التي تنافست على رئاسة الولايات المتحدة منذ ما يقارب العشر سنوات كانت يميناً أجندة "الأمن القومي" ومثلها بوش برئاسته للحزب الجمهوري ويساراً أجندة "الأمن البيئي" وقد مثلها آل-غور برئاستة للحزب الديمقراطي. مع فوز المحافظين الجدد وتولي بوش لرئاسة الولايات المتحدة تحولت أعظم الدول بهيمنتها العالمية، الثقافية السياسية والأقتصادية، الى أجندة "الأمن القومي" ومنها أشتقت الأجندات الأمنية القومية لحلفائها بينما أستثنيت وأستبعدت الأجندة البيئية لتنافرها مع المصالح الأقتصادية والسياسية قصيرة المدى لكل من هذه الدول عامة وخاصة. وهكذا تحولت القضايا البيئية في السنوات العشر الأخيرة الى محور جدال ومواجة بين الأجندات السياسية البيئية والقومية على المستويين العالمي والمحلي.
أود في البداية أستعراض الخطاب البيئي عامة حيث لا يمكنني التطرق للحقوق البيئية للأقلية الفلسطينية دون التطرق الى الخطاب البيئي على مراحله ومركباته، ومن ثم سأتطرق الى حقوق الأقلية الفلسطينية كحقوق بيئية في سياق خطاب بيئي عالمي وأجندات حقوقية وبيئية محلية وعالمية.
تحولات في الخطاب البيئي العالمي:لقد طرأ في العقدين الأخيرين تغيير نوعي على الخطاب البيئي العالمي. ويتميز هذا التغيير بالأنتقال من خطاب بيئي ليبرالي الى خطاب العدل البيئي. ويتميز الخطاب البيئي عامة بثلاث مستويات، أولها خطاب المحافظة على الطبيعة وقد ظهر هذا الخطاب بداية في صفوف الطبقة البرجوازية البريطانية في بداية القرن العشرين كمحصلة أنخفاض نوعي في تعداد عدد من الحيوانات كبيرة الحجم التي أستهدفت في رياضة الصيد. تميز هذا الخطاب بضرورة المحافظة على الطبيعة وعلى الحيوانات من خطر الأنقراض وتوسع ليشمل الأهتمام بالتنوع البيولوجي ويشتق منه تنوع الشيفرا الوراثية للكائنات الحية على الكرة الأرضية عامة. ومن هنا تطورت نظم حماية الكائنات الحية ونماذج المحميات الطبيعية على اشكالها الا انه فعلياً عجزت هذه عن حماية الطبيعة وما فيها، فالكثير منها لصغر حجمها شبهت بمحميات الأصيص، والكبيرة منها بالرغم من حدودها الجغرافية ألا انها وأن نجحت بصعوبة بحماية الطبيعة ومن فيها من تلوثات كيماوية للأرض الهواء والماء، الا انها لم تستطيع عزلهم عن تغييرات اقليمية وعالمية تعدت التلوثات الموضعية للمكان.
في سنوات السبعين بدأ الانتقال من خطاب "المحافظة على الطبيعة" الى خطاب "المحافظة على البيئة"، حيث شمل هذا الخطاب الأنسان وبيئته الحياتية، ومن أبرز مقومات هذا الخطاب هو الامتناع عن تلويث البيئة ومواردها الطبيعية، الأمتناع عن تلويث الهواء، تلويث الماء وتلويث الأرض، حيث ان كافة ما يحل بها من آفات يعود بالضرر على الأنسان وصحته. في هذه الفترة اهتمت كافة دول الرفاه بالمحافظة على البيئة من منطلق المحافظة على جودة حياة مواطنيها، الا انها غفلت عن ما بات يسمى "الساحة الخلفية" حيث عادة ما تلقى بها، بعيداً عن أعين الناظرين، كافة المكاره والآفات غير المرغوب بها. وعملياً قامت هذه الدول بنقل ما نتج عنها من مكاره بيئية الى مناطق نائية داخل حدود الدولة او خارجها، الى دول العالم الفقير والى البلدات والمناطق المستضعفة داخل الدولة ذاتها، حيث باتت تلقب تهكماً بالساحة الخلفية. ومن أبرز ما نعت به هذا الخطاب هو: Not In My Back Yard وهو ما بات يعرف بال NIMBY حيث يحاول كل من الأطراف المحافظة على ساحته الخلفية نقية بينما يقوم بالقاء مكارهه في ساحات الأخرين.
لقد وصل الخطاب البيئي اللبيرالي ذروته في سنوات الثمانين وأبرز قضاياه البيئية في ذلك الحين هو تلوث الهواء وثقب الأوزون وقد ولدت هذه القضايا أجماع عالمي على ان القضايا البيئية لا تقف عند الحدود الجغرافية ولا تعرف الحدود السياسية ومن هنا ضرورة العمل الجماعي ورصد الجهود من أجل "أنقاذ البيئة" من الدمار الناجم عن النشاط البشري بكافة انحاء الكرة الارضية.
بعد قضية الأوزون، برزت قضية الأحتباس الحراري وما نتج عنها من قضايا تصحر، جفاف وتغييرات مناخ. ألا انه خلافا لقضية الأوزون لم تنجح هذة القضايا بحشد القوى العالمية وتوحيدها انما سببت خلافات سياسية وحقوقية ومنها ما بات يعرف بنزاعات بيئية بين دول الجنوب ودول الشمال. ونزاعات بيئية طبقية وقد حلت على الكثير منها صبغات أثنية وصبغات قومية ليتطور منها ما بات يعرف بخطاب "العدل البيئي" ويشمل هذا الخطاب الحقوق البيئية للأقليات والحقوق البيئية للجماعات الأصلانية، وكذلك أصوات ناقدة للتوجهات البيئية العنصرية وغيرها.
ليس لهذا السرد أن يحد من ظهور بوادر أي من هذه الخطابات في أي مرحلة من المراحل، أو أن يلغي أستمرار وجود أي منها انما الهدف منه وضع هيكلية لوضعية عامة تمكننا من صياغة مكانة الأقلية الفلسطينية في أسرائيل في هذا السياق.
المكانة البيئية للاقلية الفلسطينية في اسرائيل:في أحسن الأحوال قد يهيئ للبعض انه على مدار السنوات تخاذلت الأقلية الفلسطينية من التعاطي مع القضايا البيئية لثانويتها في سلم أولوياتها السياسية وعلى رأسها المساواة ومناهضة الأحتلال. وفي أسوأ الحالات تتعالى أصوات التوبيخ ويتم تشخيص حالة من النفور والأنسلاخ عن المكان يتم الترويج لها بواسطة الأعلام الذي يعزز مقومات هذا التشخيص في الخطاب العام من خلال الأستعانة بخبراء واكاديميين من شتى المجالات. ألا أن ما يغفل عنه هؤلاء الخبراء وما يتجاهله الجمهور عامة والأقلية الفلسطينية خاصة هو اولاً العلاقة الحتمية بين الأقلية الفلسطينية والمكان. فمثل أي جماعة أصلانية فان تعاملها التقليدي مع البيئة يشتق من نمط حياة تكافلي مع المكان، أما نمط حياتها العصري فيصاغ في سياق الدولة العصرية وما توفره للمواطن من أطر لتلبية أحتياجاته وتوفير الخدمات.
ثانياً يتجاهل الخبراء والجمهور عامة ما قامت به الدولة منذ نشأتها بقصد وبدون قصد من تجنيد لآليات بيئية بهدف السيطرة على المكان، بالأضافة الى تذويت مفاهيم القمع للثقافة الأصلانية على مقوماتها البيئية بواسطة الخطابات البيئية المستحدثة، خطاب "المحافظة على الطبيعة" وخطاب "المحافظة على البيئة".
منذ حلول النكبة عام 1948 حتى العام 1966 عاشت الأقلية الفلسطينية تحت الحكم العسكري، الذي حد من حرية الحركة ومنع التواصل المباشر مع الأرض ومع المكان. مع بداية الخمسينات بدأت الدولة بتطوير منظومة المحميات الطبيعية، بداية اقيمت مؤسسة حماية الطبيعة التي تأسست عام 1952 حيث عملت بمنظومة جمعية عثمانية وكان لها الدور الأول في دفع الحركة البيئية في البلاد قدما، وما زالت هذه المؤسسة تعمل حتى اليوم .
لقد شهدت سنوات الخمسينات والستينات تطوير منظمومة المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية التي شيدت بغالبيتها على أنقاض القرى الفلسطينية المهجرة حيث منع سكانها من العودة اليها، وفي عام 1964 تم تأسيس سلطة حماية الطبيعة لأدارة المحميات الطبيعية والحفاظ عليها بما فيها من حيوان ونبات. ومن أبرز المحميات في البلاد هي محمية الحولة، والتي شيدت على انقاض قرية الحولة وقد تم ضمها في العام 1967 الى قائمة الامم المتحدة للمحميات والحدائق الوطنية وتعتبر واحدة من أهم المناطق للحفاظ عليها في العالم.
من بين التشريعات البيئية التي سنتها الدولة حديثة العهد هي قانون حماية النبات عام 1956 وبموجبه منع الفلسطينين أهل البلاد من جمع الزعتر والمريمية والعكوب وغيرها من نباتات أعتمدها السكان في غذائهم اليومي قبل ذلك. اما بالنسبة لقانون حماية الغابات والتشجير فهو قانون عثماني يعود تاريخه الى العام 1926، وحسبه قام العثمانيون بتقليم الغابات وتشجير بعض المناطق بأشجار البلوط بما تناسب مع طبيعة الأشجار في المنطقة وقد تابعت الدولة الصهيونية هذا النهج بل وكثفت عمليات التشجير الا انها عابثة بالطبيعة أختارت زراعة الأشجار الأبرية كالصنوبر والسرو التي تميز المناطق الأوروبية الباردة وأبتعدت عن المشهد المحلي لمنطقة حوض المتوسط، كذلك أستعملت التشجير كأداة للسيطرة على الأرض فتم تشجير المناطق العامة والمناطق المحاذية للقرى العربية، ولقد حد هذا من توسيع مناطق نفوذ هذه القرى حيث تضاربت المصالح الخضراء مع مصالح السكان وحاجاتهم الحياتية. وبينما تعاني كافة دول العالم من ازمة تناقص الأشجار، تفاخر أسرائيل بكونها الدولة الوحيدة في العالم التي تحفاظ على توازن ايجابي للأشجار، ويتم هذا المشروع بدعم ما يعرف بالصندوق القومي لاسرائيل، ويشارك فيه سنويا مئات اليهود المتطوعين الذين يقدمون من الخارج خصيصاً لزرع الاشجار.
مع حلول النكبة نزح سكان المدن بغالبيتهم، وتميز من بقي من فلسطينيين بكونهم فلاحين ومزارعين سلبت اراضيهم وانتزعت ملكيتهم عليها، ومن نجح في حفظ بعض الأرض بات يواجه السياسات العنصرية التي قلصت نوعية المحاصيل المسموح للفلسطينيين زراعتها وحددت حصص المياه المكرسة للزراعة والري، حيث قامت الدولة بالسيطرة على موارد المياه ومنعت حفر الأبار أو جمع المياه، ودأبت على تطوير مشروع المياه القطري الذي أنتهت عملية بنائه عام 1964 ومن خلاله تقوم شركة حكومية بضخ المياه وتوزيعها على كافة المناطق في الدولة.
وكما عانى الفلاحون والمزارعون من السياسات العنصرية، لم يسلم منها كل من أرتزق من تربية الماشية والقطعان، فقد قامت الدولة بتسييج المناطق الوعرة والمفتوحة بحجة تنسيق أدارتها ومنع تراجيدية الملك العام (Tragedy of the Commons). وقد فرضت على كل من أمتلك الماشية أو قطيع من الغنم بالحصول على تأشيرة وزارة الصحة لضمان صحة الجمهور ومنع انتشار الأمراض، وفقط بعض الحصول على التأشير المفروضة بالأضافة الى التسجيل الرسمي للقطيع يحق للمواطن التقدم بطلب الدخول الى مساحة من الأرض ليرعى بها ماشيته، وطبعا لم يخل الامر من الضرائب المفروضة على فئة معينة من السكان والمعفية منها فئات أخرى، كما ولم تخل الدوائر البيروقراطية من التمييز الممنهج مما أثقل على كاهل هذه الفئة من الفلسطينيين وانتزع منهم استقلاليتهم الأقتصادية وقدراتهم الذاتية للأنتاج.
الحقوق البيئية في النقب:في عام 1990 تم أنشاء الشرطة الخضراء وقد عرفت بالسنوات العشر الأولى لعملها بالوحدة الخضراء (הסיירת הירוקה). وتعتبر الشرطة الخضراء الذراع المراقب والضابط للقوانين الخضراء ومن مهامها منع خرق القوانين البيئية والمحافظة عليها، ومن سخرية القدر ان تحولت هذه الشرطة الى ملاحقة فلسطينيي النقب. وتعتبر الدولة النقب أكبر محمية طبيعية في البلاد متجاهلة بذلك وجود ما يزيد عن 70,000 مواطن فلسطيني يسكنون النقب في قرى ترفض الدولة الاعتراف بها وبوجودها. وتحدث المواجهات مع المواطنين في النقب عند قيامهم بأعادة بناء بيوتهم التي تتعرض الى الهدم من حين الى آخر، بالأضافة الى قيام سلطات الدولة الخضراء برش اراضيهم الزراعية هوائياً بمبيدات كيماوية متجاهلة أن الأضرار البيئية والبشرية التي تنتجها عقب ذلك تفوق بأضعاف الأضرار التي تدعي حصولها واتهام الفلسطينين بها.
ويعاني سكان النقب كغالبية السكان الفلسطينيين في الداخل من خرق حقوقهم في المسكن والتخطيط حيث تفتقد غالبية القرى والمدن العربية الى خارطة هيكلية يتم العمل والبناء بموجبها مما يؤدي الى أنتشار ظاهرة هدم البيوت في كافة المناطق الفلسطينية والى أرتفاع في نسب حوادث الطرق والحوادث البيتية في المجتمع الفلسطيني الذي يفتقر الى تخطيط بيئي ملائم وأمن. بالأضافة الى ذلك تفتقد المناطق العربية كافة الى مناطق صناعية، فتكون المنطقة الصناعية على مقربة من المناطق السكنية الفلسطينية لتزود الأيدي العاملة الزهيدة الى انها تتبع الى سلطات محلية يهودية وبهذا تتلقى السلطات اليهودية الضرائب الناجمة عن عمل هذه المناطق بينما يتلقى السكان الفلسطينيين الملوثات والأفات البيئية الناتجة عنها. ولا يخلو الامر من نشاط للكسارات ولمكبات النفايات ومنها ما يعمل وفق القانون ومنها ما يعمل بقرصنة المكان، ويصعب على الشرطة الخضراء ملاحقتهم وفرض العقوبات الملائمة للحد من الظاهرة. اما بالنسبة لمفاعل تكرير المياه العادمة فتمنع السلطات العربية من أنشاء اي منها وتقوم هذه السلطات بالتفاوض مع السلطات اليهودية المجاورة لتلقي هذه المياه وتقوم هذه بدورها بتكرير المياه واعادة أستعمالها أو بيعها للسلطات العربية التي تعجز عن امتلاك وأدارة أي من هذه المفاعل.
ومن جملة ما تفتقد اليه المناطق العربية من حاجات بيئية غياب الحدائق العامة التي لها الدور الكبير في الترفيه عن النفس وفي عملية تنشئة وتطوير الطفل. وقد اعتاد بعض ذوي الأطفال أسطحابهم الى الحدائق العامة في المناطق اليهودية المجاورة وبات الكثير يمتنع عن ذلك حيث يضطر بعضهم منذ نعومة أظافره الى مواجة التوجهات العنصرية والافكار النمطية الموجه ضده. بالأضافة الى ذلك تمت في السنوات الأخيرة خصخصة بعض هذه الحدائق وفرضت رسوم الدخول الباهظة على الغرباء بينما تلقى سكان البلدة الاعفاء من هذه الرسوم.
وبينما تعتبر الازمة البيئية عالميا أزمة نقص في الأرض وفي الموارد البيئية نتيجة لحضارة الأستهلاك الجامحة، تواصل الدولة الأستيطان والتوسع في النقب والجليل فتقوم ببناء البيوت الملازمة للأرض في الجليل وتشجع المزارع الفردية في النقب، ولا يخلو هذا التطوير الجارف للدولة من عمليات سمسرة الأرض بين الشرقيين والكيبوتسات حيث طالما سيطرت الأخيرة على مجمل الأراضي الزراعية في الدولة وفي ظل تسارع عمليات الخصخصة، وجد الشرقيون انفسهم بعيدين عن غنائم الدولة، حيث ان غالبيتهم العظمى أسكنو في قرى التطوير التي لم تنال من الأرض ومن ثقة الدولة ما نالته الكيبوتسات.
غياب المدينة:تعتبر المدينة من المنظومات البيئية الأكثر نجاعة لتوفير الخدمات والأجابة على حاجات عدد كبير من السكان، وكما فقد الفلسطينين في الداخل الريف كذلك فقدوا المدينة. فالمدينة الوحيدة التي بقيت بعد النكبة كانت الناصرة وقد كانت في بداية القرن السابق أخر المدن الفلسطينية في مسار التمدن (Urbanization) ومع حلول النكبة أستوعبت الناصرة من لاجئين ما يزيد أضعافاً عن عدد سكانها وتحولت احيائها الى شبه مخيمات من حيث الكثافة السكانية ومنظومة البناء. رويداً رويداً دخلت الناصرة في مسار عكسي لمسار التمدن الذي كانت به (Deurbanization) وقد وصل هذا التراجع اوجه في سنوات التسعين حيث ان خروج العديد من المؤسسات الرسمية من المدينة بهذه السنوات وعمليات الترميم طويلة الأمد للسوق قلب الناصرة النابض في حينه أفقدت الناصرة مكانتها كمركز ثقافي وتجاري للفلسطينيين في الداخل كما وحل تراجع بمركزها السياسي وبرزت مدن اخرى كسخنين وأم الفحم، الا ان أي من هذه المدن لا تعطي المواطن الفلسطيني أي من الخدمات ولا تتجاوب مع أي من الاحتياجات التي يحتاجها المواطن من المدينة.
وتشهد المدن الفلسطينية والمناطق الفلسطينية في الداخل عامة في السنوات العشر الأخيرة نقلة نوعية في أنماطها اليومية حيث تظهر بوادر المبادرات التجارية والثقافية المحلية، غير ان هذه المبادرات لا تكفي ولا بد من برامج وخطط تنمية وتطوير ممنهجة للنهوض بالمدن الفلسطينية في الداخل، ناهيك عن الذكر ان ذلك سيعود بالفائدة التجارية الثقافية والسياسية على السكان عامة وعلى النساء الفلسطينيات خاصة حيث ستزداد امكانية توفر اماكن عمل ومراكز ثقافية وسياسية ملائمة ومناسبة لاحتياجاتهن.
وبينما تعتبر الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ من أصعب الازمات والتحديات البيئية التي قد تواجهها السلطات المحلية وسلطات الدولة حيث تحتاج الى توفير العلاج السريع لعدد كبير من السكان بالأضافة الى ضرورة اخلاءهم من مكان الخطر بأسرع وقت، تفتقد كافة المناطق الفلسطينية الى خدمات الطوارئ حيث تخلو جميعها من المستشفيات عدا الناصرة.
وان نظرنا الى المشاركة في مسيرة التخطيط والشفافية خلال عملية اتخاذ القرارات فهي حق من الحقوق البيئية للسكان. ويفتقد السكان الفلسطينيين لهذين الحقين حيث غالباً ما تتم عملية أستثنائهم والمممثلين عنهم عن لجان التخطيط المهنية، بالأضافة الى ذلك تفتقر هذه اللجان الى كل ما يختص بالشفافية حيث أن جزء كبير من المناطق في الدولة تعتبر مناطق عسكرية والتخطيط لها يتم بسرية تامة ولا يمكن الاطلاع على تفاصيلها او متابعة أبعادها ومخاطرها البيئية.
وأخيرا حق المحافظة على الموروث الثقافي البيئي، فأن سلب الفلسطينيين حقوقهم البيئية بواسطة القوانين والاليات البيئية المتبعة من قبل الدولة التي ما سأمت تجاهل الوجود الفلسطيني يسلبهم حقهم في المحافظة على موروثهم الثقافي البيئي في التواصل مع الأرض والمكان، وتشدد الحركات البيئية العالمية اليوم على أهمية هذا الحق حيث تكمن به أمكانيات تواصل مغايرة لتلك المهيمنة التي أدت الى أستنزاف الكرة الأرضية من مواردها ومن قدراتها على تحمل عبء أثر القدم البشرية.
من هنا نرى ان مكانة الاقلية الفلسطينية في أسرائيل وقضاياها المركزية تقع في لب الخطاب البيئي. تجاهل هذة العلاقة الحتمية عمداً او سهواً فيه أجحاف للأقلية الفلسطينية أولاً ولتركيبة قضاياها الوجودية ثانياً. الكثير من الفلسطينين ما زال يمارس ويحافظ على تواصله المباشر مع المكان الأبتعاد عن ما سُمي ويسمى بالقضايا البيئية ما هو الا تضليل سياسي يتم به أقصاء الفلسطينين عن الساحة السياسية التي باتت القضايا البيئية على أبعادها التجارية الاقتصادية والسياسية تشكل القسم الأكبر منها.
يشكل طرح القضايا الفلسطينية في سياق الخطاب البيئي محلياً وعالمياً ووضعها على سلم أولويات الأجندات البيئية ما هو الا تحدي لكل من يحاول الأبتعاد عن الواقع السياسي للمكان وكسر علاقة التواصل الطبيعي بين الفلسطيني والمكان فيحول القضايا البيئية الى ترف وما هي الا قضايا وجودية جوهرية تشتق من العلاقة القصرية مع المكان.
© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي – ناشطة نسوية، محاضرة ومستشارة في مجالي التنمية المستدامة والجندر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق