في مدينة التناقضات هذة نعتاد ببلادة على شيزوفرينيا الموقف

22\12\2011

تأخرت ساعة عن موعدي وموعدي تأخر عني ساعة اضافية فجلست وكأسي وطبق من المعجنات الشرق أوسطية في مقهى فتوش لتداهمني الاحتفالات الميلادية في حيفا. حي الالمانية، شارع بن غوريون او شارع ابوالنواس لمن يرغب ذلك. تعودنا على تعدد الاسماء وعلى معانيها المبطنة بأحرفها القليلة. وها هي المارة وبغالبيتهم ليسو من جليسي موائد هذة المناسبة، انما اولائك المنبهرين بالأحمر والأخضر والأضواء والموسيقى يتوافدون الى مركز الشارع وانا وكأسي وطبق المعجنات في حالنا محاولين تجاهل الموقف واضفاء عليه ما يكفي من الرتابة لتخفي تورطنا في الحدث.

أغلقت الشرطة الشارع. افراد الأمن يتفحصون الداخلين ويزجون باياديهم الى حقائبهم. اعتدنا هذا ايضا لكن لم نعتده في مقاهينا وحاناتنا. يتسارع المارة وتعلو اصوات الضرب على الطبول فتفتح خانات في الذاكرة لتستحضر الدوم والرول بصمت صاخب. تتصدر الفرق الكشفية موكب الأحتفال ومن زمرة اعلامها العلم الأزرق والأبيض شامخ مطأطئ رأس حامله. استرق النظر خلسة وخجلا من الزيتون ازيد من رتابة الحدث ومن رتابتي.

مدينة التناقضات هذة تتجاهل انفرادي القسري بذاتي وعلى كأس من الوسكي وطبق من الكبة والصفيحة تستحضر رغم عنا ذكرياتي. لا لم أكن مُسيسة في ذلك الحين واي من رفاق الكشاف لم يكن كذلك وبينما تهاتفنا جميعا على شرف رفع العلم الكشفي اي منا لم يتهاتف على الأخر بل تراشقنا مهام رفعه كما يتراشق الاطفال القذارة وتراجعنا الى الصفوف الخلفية برأس يعلو شموخه شموخ العلم ليبقى الازرق والابيض متحسرا منتصرا على من لم يحالفه الحظ ومن لم يحمله اصراره الى الخلف.

في مدينة التناقضات هذة تعتاد ببلادة على شيزوفرينا الموقف. ففي الصباح تترأى للأخر كمسلم أرهابي او كمسيحي نازي لاسامي وفي المساء تترأى له كسانتا كلوز وكريستماس احمر أخضر. في مدينة التناقضات هذة يتصدر موكب الميلاد العلم الأزرق والأبيض وتختتم الموكب فرقة غنائية عربية تعلو المنصة لتملاء سماء حيفا بالنشيد الوطني الغير معلن "وين ع رام الله".

وتعود بي الذاكرة بعيدا ورغم حلكة الليل أهاتف لأسال: الم تكن "موطني موطني" من الأناشيد الكشفية التي رددناها وحفظناها عن ظهر قلب، فيجيب الصوت من الطرف الاخر للهاتف: "طبعا". فأتابع بشكل مباشر: كيف انشدنا "موطني موطني" ورفعنا هذا العلم؟!!" فيجيب الصوت من الطرف الاخر للهاتف: "ما؟ الا تذكرين......"

ونعتاد ببلادة على شيزوفرينيا الموقف.


---
"موطني" النشيد الوطني غير الرسمي للفلسطينيين منذ ثلاثينيات القرن العشرين عندما كانت فلسطين واقعة تحت الانتداب البريطاني، وهو من تأليف الشاعر الفلسطيني أبراهيم طوقان عام 1936 وتلحين الموسيقار اللبناني محمد فليفل.


© حقوق النشر محفوظة.
نسرين مزاوي – محاضرة وموجهة مجموعات حاصلة على اللقب الاول في علم الاحياء واللقب الثاني في الإدارة البيئية.

هناك تعليقان (2):

  1. ok so of course i felt guilty for not reading you, as my excuse is really flimsy...
    anyway, i enjoyed the last post.
    such familiar feeling :)

    ردحذف
  2. thanks khulud
    usually this kind of writing i don't put on the blog but rather in more private spaces...
    i know why you like it comparing with the others :)
    check the one about Ramallah posted in October i assume you will like it as well :)

    ردحذف