"من النهر الى البحر" ملاحظات حول الحل الفدرالي

شاركت في الشهر الماضي في ندوة سياسية، وقد طرحت في نهايتها سؤال حول الحل الفدرالي في فلسطين والسبب في عدم تبني القيادات السياسية لهذا الحل وتطويره. لاحقًا، تواصل أحد الزملاء معي لتوجيه انتباهي الى بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع. بناءً على ذلك، وحرصًا على ان لا أكون قد غفلت عن بعض الأمور، اكتب هذا الملاحظات لتوضيح ما قد سيئ فهمه.

أولاً، فكرة الحل الفدرالي في فلسطين تُطرَح من قبل أطراف إسرائيلية يمينية بشكل ديماغوجي ومتطرف، ويجب الحذر من هذا الطرح الصهيوني ورفضه رفضا قاطعًا. من بين يطرح هذا الموضوع حركة "هافدراتسيا" او "الحكم الفدرالي" كما يسمون أنفسهم.

قبل الخوض في تفاصيل برنامج هذه الحركة، انا اعتقد أن خطورة هذه الحركة لا تقتصر على برنامجها فحسب، بل تكمن أيضا في عملية التلاعب بفكرة "الحل الفدرالي" وتشويهها لتتناسب مع الأفكار الصهيونية اليمينية المتطرفة المرفوضة جملة وتفصيلا. بهذا تقوم حركة "هافيدراتسا" بتفنيد هذا الحل، حيث تعرضه وتروج له بناء على هذه الأفكار وانطلاقا منها.

حل الدولة الفدرالية الذي يطرح من قبل اليمين الإسرائيلي ليس حلا إنما تعميق لمنظومة الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري المبنية على سياسة التجزئة وبث الفتن بما يتوافق مع نهج محو السكان المحليين سواء بشكل تدريجي أو مباشر، بهدف تحقيق معادلة "أقل ما يمكن من السكان على أكثر ما يمكن من الأرض". حيث يثبت لنا التاريخ انه في الحالات التي لا ينجح فيها الاستعمار الاستيطاني بالقضاء على السكان المحليين أو طردهم وتهجيرهم، يقوم بحصرهم بمعازل على شكل "كانتونات" او "محميات طبيعة" بهدف السيطرة عليهم والتحكم في شؤونهم السياسية والاقتصادية.

تقدم حركة "هافيدراتسيا" الحل الفدرالي كحل إسرائيلي صهيوني على الكنيست الإسرائيلي الموافقة عليه وتبنيه. بناء عليه تقترح حركة "هافيدراتسيا" إنشاء دولة فدرالية واحدة، وهي دولة إسرائيل، وتشمل هذه كافة البلاد من البحر إلى النهر باستثناء قطاع غزة. تحتفظ هذه الدولة بالمستوطنات القائمة في الضفة الغربية، وتقسم الدولة الى ثلاثين كانتونا تديرهم سلطات محلية بالإضافة إلى سلطة مركزية واحدة، وهي سلطة الدولة الفدرالية. تمنح هذه الدولة حقوق المواطنة المتساوية لجميع السكان، وتضمن لهم تحقيق حقوقهم المدنية وطموحاتهم السياسية والاقتصادية والثقافية من خلال حكومة الكانتون الذي ينتمون إليه.

يمثل اقتراح حركة "هافدراتسيا" بكل بساطة ووضوح برنامجا للضم الشامل لجميع المناطق الفلسطينية تحت إطار دولة صهيونية فدرالية، تمارس المحو الممنهج والمستدام للسكان الفلسطينيين بهدف نزعهم من أراضيهم وابعادهم عنها. ولا يعد هذا إلا خطوة مرحلية في عملية المحو والاستيطان هذه.

اما ما جال في ذهني عندما تكلمت عن الحل الفدرالي فهو يتمثل بـ: دولة فدرالية واحدة وعاصمة واحدة في القدس، تجمع هذه من خلال اتحاد فدرالي سياسي واقتصادي بين دولتين مستقلتين. لا تستثني هذه الدولة قطاع غزة، ولا تستثني اللاجئين الفلسطينيين بل تعمل على تحقيق عودتهم الى فلسطين في إطار هذه الدولة. لا تقسم هذه الدولة البلاد الى ثلاثين كانتون ولا الى عشرين ولا حتى الى سبعة، بل تقوم على اتحاد سياسي واقتصادي بين دولتين بناء على معاهدات سياسية متفق عليها.

شتان بين هذا التصور وبين ما يطرحه اليمين الصهيوني في هذا الموضوع. فطرح اليمين الصهيوني للدولة الفدرالية يقوم على مقايضة الفلسطينيين حلم الدولة المستقلة بالمواطنة والحقوق المدنية في أطار دولة فدرالية واحدة هي دولة إسرائيل. اما ما ارمي اليه في طرحي للموضوع، فلم يتضمن أي تنازل عن أي من المطالب لأي من الأطراف. بالعكس، فهو يحقق الوحدة المنشودة في إطار دولة واحدة، ويقوم على وجود دولتين مستقلتين. تتحقق من خلاله رغبة كافة الأطراف بأن تكون القدس العاصمة الأبدية لهم، بحيث تكون هذه عاصمة الدولة الفدرالية المشتركة، ويضمن هذا الإطار عودة اللاجئين، ويتم الاتفاق من خلاله على مصير المستوطنات. وإذا تعذر الصلح الفلسطيني بين القيادات الفلسطينية المتنازعة على السلطة، من الممكن ان يشمل هذا الإطار الفدرالي اتفاقية ثلاثية يتوازى فيها الطرفان الفلسطينيان مع الطرف الإسرائيلي، بينما يتقاسم هؤلاء الحكم في ولايتين فلسطينيتين او في ولاية واحدة إذا توفرت الإرادة السياسة وإذا شاءت. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق