قضية شلهوب-كيفوركيان من الشخصي والخاص الى السياسي والعام

عادت بروفيسور شلهوب-كيفوركيان إلى عملها، لكن جو الإرهاب ما زال مستشري في الجامعات.

وللحقيقة، لم تعد شلهوب-كيفوركيان إلى عملها بالجامعة بفضل جهد أو عمل قمنا به، بل لأن الجامعة من الأساس أوقفتها عن العمل حتى نهاية الفصل، وقد كان قد بقي للفصل على نهايته مدة لا تتجاوز الأسبوع. من هنا فإن الجامعة لم ترجع عن قرارها، رغم التمثيلية الصغيرة التي قامت بها، إنما عودة شلهوب-كيفوركيان إلى التعليم كانت أمرا طبيعيا ناتجا عن قرار كان منذ بدايته محددا بفترة زمنية قصيرة. فرجاءً حبذا لو تحلينا ببعض التواضع والواقعية خاصة المحتفلين منا بالأمر كما لو كان هذا إنجازا حقيقيا عظيما لعمل ما قمنا به. وفي الحقيقة أننا غير الفضفضة والاستنكار والاستهجان والإدانة لم ننجز أي شيء.

بالعكس فقد أعلنت الجامعة العبرية خلال هذه المسرحية السريعة أنها "جامعة صهيونية". ورغم عودة شلهوب-كيفوركيان إلى التعليم لم تتراجع الجامعة عن إعلانها الخطير والمبهم هذا، بل مر الموضوع مر الكرام.

أي إنجاز حقيقي في قضية شلهوب-كيفوركيان كان يجب عليه أن يخرج من الشخصي والفردي إلى السياسي والعام، فالملاحقة السياسية ليست بأمر شخصي يقتصر على هذا أو ذاك. وما حدث مع بروفيسور شلهوب-كيفوركيان ليس بقضية خاصة، بل هي قضية سياسية عامة لها اسقاطات وابعاد على كل العاملين في الأكاديمية الإسرائيلية.  

ملاحقة الأكاديميين في الجامعات الإسرائيلية مستمرة، فقد وصلني بالأمس خبر من صديق (يهودي إسرائيلي يساري) بأن طلابه قاموا بالتوقيع على عريضة قدموها إلى عميد الكلية مطالبة بفصله من العمل بسبب مواقفه المعلنة المناهضة للحرب.

ولا يفاجئني أن تتكرر هذه الملاحقات إن لم نتصدى لها اليوم. ولا يمكن السكوت على ما حدث مع شلهوب-كيفوركيان والتعامل معه كأنه موضوع شخصي يخص نادرة ومناصريها، فهذه الملاحقة ستطالنا جميعا، والدليل على ذلك هو القدر الكبير من الساكتين على ما حدث. فليس هذا السكوت إلا الدليل الحقيقي الواقعي والملموس على هذه الملاحقة. 

تراجيديا الحيز العام، اللافتات كنموذج

ضمن سلسلة ندوات حول شكل المدينة،
 الأسبوع القادم، يوم السبت القادم 30 آذار الساعة الثامنة مساء، الجلسلة الأولى في "الدار" في الناصرة.





לא על נאדירה לבדה אלא על האקדמיה בכללותה

האוניברסיטה העברית הצהירה על עצמה כאוניברסיטה ציונית ובזה היא כורתת את העץ שהיא יושבת עליו. יש הבדל בין אוניברסיטה ששורשיה נטועים בציונות, וזו עובדה שאפשר להודות בה ולא ניתן להתווכח עליה. לבין אוניברסיטה שמגדירה את עצמה כאוניברסיטה ציונית.

מה שמתבקש כרגע מהאוניברסיטה העברית שתגיד לנו למה היא מתכוונת ב- "אוניברסיטה ציונית"? האם זה אומר שהיא אוניברסיטה ליהודים בלבד? ולאיזה ציונות האוניברסיטה מתכוונת? האם היא ציונית ליבראלית? ציונית דתית? ציונית לאומית? ציונית לאומית-דתית? ומה זה אומר לגבי האוניברסיטה כמכון מחקר? מה זה אומר לגבי האוניברסיטה כמפעל ליצור ידע במדעי הרוח והחברה?

האם זה אומר שהגזרה של המחקר החברתי-פוליטי-כלכלי אמורה להתאים לגזרה אידאולוגית ציונית כלשהי? ולאיזה גרסה מהן בדיוק? ומה הם ערכי הציונות שהאוניברסיטה מצפה מהחוקרים שלה להיצמד אליהם? האם טובת המדינה נטועה באמת בערכים אלה? האם תפקידה של האוניברסיטה לשמור על המדינה ועל ערכיה או שתפקידה לשרת אותה בשמירה על חופש האקדמי של החוקרים שלה?

האם מותר לנו למשל להגיד שכדור הארץ הוא עגול? אופס, סליחה, התבלבלתי! זה מקרה מתקופה אחרת וממוסד אידאולוגי אחר. תעזבו את הדוגמה הזו היא לא רלוונטית אנחנו חיים בעידן המכונה החכמה.

אבל אולי אנחנו כן חיים בתקופה דומה, תקופה שבה האוניברסיטאות מתחילות להדמות לישיבות יותר מאשר למכוני מחקר.

ורציתי להוסיף פה משהו על דוקטרינת ההלם של נעמי קליין, אבל אני אחסוך ואסתפק בלהגיד שאנחנו נמצאים בתקופה מסוכנת שבה הרבה דברים יכולים לעבור בשקט בזמן שבימים רגילים הם לא היו עוברים.

رسالة توضيح، ماذا أعنى بتعليق دراستي في الجامعة ولماذا قمتُ بذلك؟

 
في الثاني عشر من آذار 2024، قامت الجامعة العبرية بتعليق عمل بروفيسور نادرة شلهوب-كيفوركيان بسبب انتقادها للحرب. جوابي على هذه الخطوة كان بالمبادرة إلى تعليق دراستي في برنامج الدكتوراه في قسم علوم الإنسان في جامعة حيفا. كذلك أعربتُ عن استعدادي التام لإعادة المنحة الدراسية التي تلقيتها من قبل جامعة حيفا لدعم معيشتي خلال الأربع سنوات السابقة.

في هذه الرسالة أود أولًا توضيح معنى "تعليق الدراسة"، فعادةً تبادر المؤسسة الى تعليق عمل الموظفين أو العاملين أو الطلاب ولا يقوم طالب بشكل فردي ومستقل بالإعلان عن تعليق دراسته. ثانيًا، اود الإسهاب في أسباب هذه الخطوة الاحتجاجية. وللتنويه، هذه الخطوة ليست خطوة تضامنية مع بروفيسور شلهوب-كيفوركيان، كما قد يفترض البعض، بل هي احتجاج على تدهور ظروف الدراسة والبحث العلمي في الأكاديمية الإسرائيلية وعلى عملية اغتيال مباشرة للحرية الأكاديمية التي تعتبر أساسًا جوهريًا للنزاهة العلمية.


ماذا أعنى بتعليق دراستي؟

جوابي على تعليق عمل بروفيسور شلهوب-كيفوركيان كان الرد بالمثل وهو تعليق دراستي. عمليًا هذه هي الخطوة العملية الوحيدة المؤثرة التي يمكنني من خلالها التعبير عن رفضي واحتجاجي على هذا الوضع. قدرة هذه الخطوة الفردية والمستقلة على التأثير نابعة من العلاقة التكافلية الموجودة بين الطالب والجامعة. حيث يستفيد الطالب من العلم والشهادات التي يحصل عليها، في حين تستفيد الجامعة من الاقبال عليها ورفع اسم المؤسسة وشهرتها من خلال نجاح طلابها وتميزهم، هذا بالإضافة الى المردود المالي المباشر الذي تتلقاه الجامعة من الحكومة مقابل كل طالب يلتحق بصفوفها إضافة إلى الدعم المالي الخارجي الذي يأتي من مانحين وممولين دوليين.

بالنسبة للطلاب العرب، يجب أن ندرك أن الجامعة تستفيد من وجود الطلاب العرب بشكل إضافي، حيث تسوق ذاتها كمؤسسة متسامحة تهتم بالأقليات وتشجع "التنوع الاجتماعي" وما شابهه من تواصيف مستحبة على أصدقاء الجامعة والممولين الدوليين وعلى مؤشرات الإدماج الثقافي والاقتصادي للأقليات في سوق العمل بشكل عام، وفي صفوف المؤسسات الأكاديمية تحديداً. وبطبيعة الحال، يكون هذا المردود أكبر عند يتعلق الأمر بطلاب الدراسات العليا، خاصة أولئك الذين يقومون بأبحاث علمية وينشرون مقالات في مجالات علمية مُحكّمة، حيث تتباهى الجامعات بعملية النشر ذاتها وبكميتها، مما يساهم في تعزيز مكانتها الأكاديمية على المستوى العالمي ويرفع مكانتها في مؤشرات التدريج الأكاديمية العالمية.

تعليق تعليمي الأكاديمي يعني: الامتناع عن حضور المحاضرات، الامتناع عن تقديم الوظائف، الامتناع عن المشاركة في نشاطات القسم أو في أي نشاط جامعي، سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه. كما يتضمن هذا، الامتناع عن تجديد دراستي وعن التسجيل للعام الدراسي المُقبل، بما في ذلك الامتناع عن تقديم طلب لتوقيف الدراسة المؤقت (الذي يحفظ للطالب حق العودة الى الدراسة في فترة زمنية محددة)، والامتناع عن تقديم طلب لتمديد فترة الدراسة. في هذه الظروف، قد أعُتبر طالبة غير ملتزمة بمهامها التعليمية، وبناء على ذلك، يحق للجامعة المطالبة بإعادة ما قُدم لي من دعم مالي خلال فترة الدراسة، وفي هذه الحالة أنا على اتم الاستعداد لإعادة المنحة الدراسية بأكملها.


على ماذا أحتج؟

أحتج على اغتيال الحرية الأكاديمية، وحرية البحث العلمي، وحرية تعبير الباحث عن ملاحظاته وتقييماته وبصيرته المتعلقة بالمواضيع التي انكب على دراستها، فهذه الأمور كلها تصب في جوهر عملية إنتاج المعرفة، تهددها وتستأصل كل ما هو مفيد فيها.

تعتبر المؤسسات الأكاديمية في جوهرها مؤسسات تقوم على عملية إنتاج المعرفة، وهذه العملية هي أساس التقدم والتنور الحضاري. فحيث اغتيل العلماء والمكتشفون والمفكرون سادت الظُلمة، وهذا على سبيل المثال ما ميز أوروبا في العصور الوسطى، حيث قامت المؤسسات السلطوية، سواء المدنية أو الكنسية، باغتيال واضطهاد كل من خالف معتقداتها.

في حال الباحث الفلسطيني في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، لم يكن تعليق عمل بروفيسور شلهوب-كيفوركيان هو بداية هذا التدهور، إنما ذروته. فعملية إنتاج المعرفة في جوهرها يجب أن تكون عملية تحررية، تحررنا من الجهل وتحررنا من كل ما هو سيئ وضار للبشرية وللعالم. تحكُّم المؤسسات السياسية والاقتصادية بعملية إنتاج المعرفة ينتقِص منها، وعادةً ما يتم هذا بشكل تدريجي. وكلما امتنعت المؤسسات السياسية عن التدخل في حرية التفكير والتجريب والإبداع للباحث، كلما زادت الجودة العلمية وبطبيعة الحال ازداد التنور العام والتقدم الحضاري. كذلك، كلما تحررت المؤسسات الأكاديمية من معايير السوق المادية التي باتت تطغى على طبيعة عملها في السنوات الأخيرة، كلما زادت جودة الإنتاج. 

إنتاج المعرفة التحرري في السياق الفلسطيني له أهمية كبيرة ومضاعفة، وهو أمر مصيري وحاسم في علاقة الباحث الفلسطيني مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. هو الخط الفاصل بين المعرفة التقدمية التنويرية وبين المعرفة التي تخدم المؤسسة وتعزز من سطوتها. للأسف الشديد، بشكل تصاعدي وعلى مدار العشر سنوات الأخيرة وربما أكثر، زادت المراقبة السياسية وزاد التدخل السياسي في العملية التعليمية وزاد التأثير الخفي وأحيانا المباشر في عملية إنتاج المعرفة. وليست هذه بأمور جديدة على الأكاديمية الإسرائيلية، لكن حتى اليوم، استطعت أنا بشكل شخصي وكذلك العديد من الباحثين الفلسطينيين العاملين في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، الحفاظ على مساحة مناورة مقبولة نوعًا ما. 

تعليق عمل شلهوب-كيفوركيان يمثل رسالة تهديد وترهيب مباشرة لكل باحث فلسطيني في هذه المؤسسات، مفادها اننا جميعًا معرضين لعمليات تعليق مشابهة إن لم نرضخ لمعايير وتوقعات المؤسسة.

 
ماذا اطلب؟

في رسالة قدمتها إلى رئيسة قسم علم الإنسان في جامعة حيفا، طلبت منها ضمانات تقدمها الجامعة لحماية حريتي العلمية من سطوة المؤسسة السياسية، فهذه الحرية العلمية هي ضمانًا أساسيًا لنزاهة عملي الأكاديمي. هذا الى جانب الحاجة الى ضمانات تحمي حريتي في التعبير عن ما قد توصلت أو قد أتوصل اليه من ملاحظات وتقييمات وبصيرة متعلقة بالمواضيع التي انكببتُ على دراستها.

حاليًا لا يوجد في جامعة حيفا، وعلى ما يبدو في الجامعات الإسرائيلية الأخرى أي ميثاق يحمي الحرية العلمية للباحث. بناءً عليه وفي هذه الظروف المظلمة التي تحيط بنا، أنا شخصيًا لا أستطيع مباشرة دراستي العلمية، حتى وإن كلفني هذا خسارة شخصية واثمانً مادية باهظة. "فما من أحد يوقد سراجًا ويضعه في خفية ولا تحت المكيال، بل على المنارة كي ينظر الداخلون النور" (إنجيل لوقا 33:11).

حتى كتابة هذه السطور، لم أتلق أي رد من الجامعة على الرسالة التي وجهت إليهم بتاريخ الثاني عشر من آذار، على أمل أن يكون هناك اهتمام بكبح هذا التدهور الذي وصلنا اليه، وإلا فلا مفر لي إلا أن أبحث انا أيضًا عن بيت يلائمني.