أنا مع تعدّد الزوجات. لقد سبق وكتبت في هذا الموضوع في الـعام 2009 وما زلت على الموقف ذاته. وأظنّ أنني النسوية الوحيدة المُصرة على هذا الموقف علنًا، رغم كوني صوتًا وحيدًا معاكس للتيار. ومن دون الإشارة إلى السبب الذي يُطرح فيه هذا الموضوع حاليًا، يهمّني أن أوضّح أن الموقف النسوي الرافض لـ "تعدّد الزوجات وفق الشريعة الإسلامية" في إسرائيل، هو موقف منافق. وهذا النفاق حاضر في صفوف النسويات الفلسطينيات والاسرائيليات على حدّ سواء.
أنا أؤيّد "تعدد الزوجات وفق الشريعة الإسلامية" بمعنى عدم تجريمه قانونيًا، وهذا انطلاقًا من دعمي لكل أنماط العائلات التي لا يشترط أن تتكوّن من أب وأم وأطفال. فالعائلات قد تتكوّن بأشكال متنوعة تختلف عن النمط الثنائي المغاير الذي فُرِض على العالم كنموذج وحيد يُحتذى به.
يمكن أن تتكون العائلة من أم وحيدة مع أطفال، أو أب وحيد مع أطفال؛ سواء كان ذلك عن خيار أو لظرف فرضته الحياة.
كذلك يمكن أن تتكون العائلة من أم وأم مع أطفال، أو أب وأب مع أطفال، بغضّ النظر عن وجود علاقة جنسية بين البالغين في هذه العائلة من عدمه. فقد تفرض الحياة مثلًا لظروف مختلفة ومتعددة أن تتشارك أختان في تربية أطفالا معا (اذا ترملت اختك ع بكير ممكن تعيشي معها وتربي أولادها معها كما لو كانوا أولادك وكما لو كنت أمهم التي لم تلدهم؟) من وجهة نظري هذه عائلة، والعلاقة الزوجية ليست شرطًا في تكوين العائلة. وينطبق الأمر ذاته على الرجال. فمن الممكن لأخوين أو أب وابنه أن يجدوا أنفسهم مسؤولين عن تربية الأطفال لنفس السبب، أي أن الحياة فرضت عليهم هذا الوضع (ترمّل الأب والسيد مثلا. ممكن تصير؟ ممكن). العائلة بالنسبة لي تتكوّن من فرد بالغ أو أكثر، يقدم الرعاية والاهتمام لطفل واحد او أكثر. وإذا فرضت الحياة ذاتها على البعض كما في الأمثلة السابقة وأدت إلى تكوين عائلات غير نمطية فهذا لا ينتقص من عائلية هذه العائلات.
على نفس المبدأ، يمكن لأشخاص بالغين غير نمطيين أن يختاروا تقديم الرعاية والاهتمام لطفل واحد أو أكثر بناءً على خيارهم وليس لأن الحياة فرضت عليهم ذلك، وهذا أيضَا لا ينتقص من عائليتهم. وبالإشارة الى "أشخاص بالغين غير نمطيين"، أعني المثليين والمثليات، لكن أيضا الأفراد اللاجنسانيين (أي أشخاص لا توجد لديهم رغبة جنسية) وغيرهم ممن لديهم رغبة في تكوين عائلات غير نمطية والانخراط في رعاية أطفال قد يكونون أو لا يكونون أبناءهم البيولوجيين.
بالتالي من الممكن أن يكون لكل طفل أكثر من أم أو أكثر من أب غير الأم البيولوجية أو الأب البيولوجي. كل هذه أنماط عائلات غير مألوفة، وكونها غير مألوفة لا ينتقص من عائليتها.
بناء عليه، أنا أؤيد تعدد الزوجات إن كان نابعًا عن خيار حر. وهذا في الواقع هو الفخ الذي تقع فيها النسويات الفلسطينيات الرافضات لتعدد الزوجات، إذ يتجاهلن مسألة انعدام الخيار، ويركزن على إدانة النهج لذاته، وما هذا إلا نفاق.
وهذا النفاق نابع من تملّق النسويات الفلسطينيات للسياسات الليبرالية وللنسوية الليبرالية وهو أيضًا نفاق زميلاتهن النسويات الإسرائيليات اللواتي يرفضن تعدد الزوجات بينما يعشن بأنفسهن في أطر عائلية غير نمطية. فمن بينهن الأمهات الوحيدات في عائلات أحادية الوالدية، والأمهات في عائلات قائمة على المساكنة الزوجية دون أي تأطير قانوني رسمي - ديني او مدني - للعلاقة الزوجية، أو منهن المؤيدات والداعمات للعائلات المثلية وللسيولة الجندرية وللحب البولي-أموري (كيف بالله، طالعة حلوة الحب البولي-أموري اه؟ مودرن ومنفتح ومش زي تعدد الزوجات دِّج ومتخلف وعربي)، قمة النفاق.
والأسواء من النفاق، حسب رأيي، هو ما يسمح هذا النفاق بالتغاضي عنه، وهو المشكلة الرئيسية في مسألة تعدد الزوجات، وهي غياب الخيار الاقتصادي (والإطار القانوني-السياسي في حال كانت الزوجة من غزة أو من الضفة). ففي أغلب حالات تعدد الزوجات تكون النساء مُستغلات ومقموعات ومغلوب على أمرهن، ونادرًا ما نجد نساء يعشنَّ هذا النمط عن خيار حر. لكن هذا لا يلغي حقيقة أن بعض النساء اخترنَّ هذا النموذج العائلي بإرادة حُرة وعن رضا تام من جميع الأطراف، ولا يحق لأي منا أن تقرر أن هذا الخيار غير قانوني. وفي اللحظة التي تُعلِن فيها النسويات أنهن متقبلات للموضوع، عندها ستأتي النساء اللواتي اخترن هذا النموذج بشكل حر ليشاركن قصص حياتهن وأسباب اختيارهن الانخراط في عائلة تتعدد فيها الزوجات. في اللحظة التي تتحلى فيها النسويات الفلسطينيات ببعض التواضع وتتراجع عن إصدار الأحكام وعن الحذو خلف النسوية الليبرالية البيضاء، سنسمع قصص هذه النساء. لكن رفض هذا النموذج هو الذي يتيح إخراس النساء اللواتي تعيش في إطاره، والتكلم بالنيابة عنهن ولعب دور "محاميات الدفاع" عن "النساء المستضعفات". لكن الحقيقة هي أن النسويات هنّ من يخرسنَّ هؤلاء النساء وهن اللواتي يستضعفنهن، إضافة إلى الاستضعاف البنيوي الذي تعيشه هذه النساء. النسويات الفلسطينيات مستفيدات بشكل مباشر من عملية الإخراس هذه ومن التأطير النمطي الرافض للآخر(ى) والمهمّش لها ولأسلوب حياتها.
مرة أخرى أشدّد أنا أؤيد "تعدد الزوجات وفق الشريعة الإسلامية" إذا كان نابعًا خيار حر، لكن هذا ليس هو الواقع. مع ذلك، ليس من حقنا أن نقرر أن تعدد الزوجات غير قانوني. في الوقت ذاته، علينا توجيه طاقاتنا لمعالجة الضائقة الاقتصادية أو القانونية التي تسبب المعاناة للنساء وتجعلهنّ ضحايا للاستغلال. إذا حسّنا الوضع الاقتصادي للنساء، وإذا حسّنا المكانة القانونية للنساء من غزة والضفة اللواتي يعشن في إسرائيل، فإن الكثير منهنّ سيخرجن من دائرة الاستغلال دون أن يلغي هذا شرعية هذا الخيار لمن ترغب به.
تقبل أنماط العائلات البديلة، وتقبّل مرونة الأدوار الجندرية، وميوعة الجنسانية، وفي ذات الوقت رفض تعدد الزوجات، ما هو إلا نفاق صافي؛ نفاق النسويات الفلسطينيات والإسرائيليات على حد سواء. نفاق تذويت العنصرية المرافقة للنسوية الليبرالية البيضاء في صفوف النسويات الفلسطينيات.
انا مع العائلات بكل أشكالها. العائلة بالنسبة لي لا تُعرّف بحسب العلاقة الجنسية بين أفراد الجيل المؤسس للعائلة، فقد تتكون العائلة بدون علاقة جنسية. هنالك الكثير من الفرضيات الخاطئة والقوالب الجاهزة التي اعتدنا أن نفكر بالعائلة من خلالها، بينما الإمكانيات أوسع بكثير. العائلة بالنسبة لي هي مجموعة أشخاص يتبادلون الرعاية فيما بينهم وتجمعهم علاقة اقتصادية شيوعية بالمعني الحرفي والعملي للكلمة: "كل واحد على قدر استطاعته، وكل واحد على قدر ما يحتاج"، سواء مع أطفال او بدونهم.
أعلم أن الشريعة الإسلامية لها رأي آخر فيما يخص العائلة، فهي تسمح بتعدد الزوجات بينما لا تقبل بعض الأنماط الأخرى، لكننا لا نعيش بدولة شريعة إسلامية، إنما في دولة علمانية، أو على الأقل هذا ما نريد. وإذا كانت هذه الدولة - كمجتمع وكمؤسسات - تتقبل أشكال العائلات البديلة، فليس هنالك أي حِجة لها في رفض تعدد الزوجات. رفض تعدد الزوجات في دولة علمانية ليبرالية تتعدد فيها أشكال العائلات ما هو إلا نفاق.
لأنه كلنا مع الحب البولي أموري، صح؟ ومع السيولة الجندرية والميوعة الجنسية (ونص الرجال اللي ضد تعدد الزوجات ممكن متحرشين او عنيفين او ما عندهم مشكلة يكونوا مصاحبين)، بس تعدد الزوجات تخلف. أكيد.
عل كل حال عادة يعتمد تعدد الزواجات على الزواج العرفي ولا يسجل قانونيًا، لكن لماذا الحاجة الى التجريم والملاحقة القانونية؟! بالعكس علينا أن نسعى لقوننة الزواج وإتاحة تسجيله رسميًا فهذا ما سيوفر الحماية للنساء ولأطفالهن وليس نزع الشرعية عنهن والملاحقة القانونية.
كذلك يجب أن لا ننسى أن المرأة غير المستضعفة اقتصاديًا تستطيع التحرر من الرجل العنيف أو الخائن أو من إطار تتعدد فيه الزوجات، أما المرأة المستضعفة اقتصاديًا فستكون مغلوبة على أمرها ومستغلة في كل الأحول. فلا تشدوا على حالكن كثير بالمحل الغلط، رجاءَ، المشكلة ليست في تعدد الزوجات ولا في الشريعة الإسلامية.
وأكيد النسويات الإسرائيليات راح يصفقولكن لما تحكوا ضد تعدد الزوجات، ما احلاهن وهني مش مصفقات، برافوا عليكو وعليهن وعلى النسوية الناصعة البياض.
______________
بإعقاب النشر بالـ "فيسبوك"، تلقيت السؤال التالي:
كلام جميل لكن هل تشريع تعدد الزوجات سيرافقه تعدد الأزواج أيضًا؟ أنا مع حرية الاختيار وكذلك مع المساواة، ليكن ذلك متاحاً للجميع إن كان هنالك من مجال لتشريعه.
الجواب على هذا التعليق:
أنا مع كل أشكال العلاقات المبنية على خيار حر، ومع كل أنواع العائلات القائمة على ذات المبدأ. الطرح أعلاه ملائم لما يحدث داخل دولة إسرائيل التي تتبنى الأنماط البديلة للعائلات المثلية، والعائلات الأحادية الوالدية، والعائلات المبنية على المساكنة وغيرها، لكنها ترفض تعدد الزوجات. لكن لا يمكن إسقاط هذا الطرح كما هو على دولة مثل تونس، على سبيل المثال، أو على أي دولة عربية أو إسلامية أخرى قد تحذو حذو تونس وتمنع تعدد الزوجات، لأن تونس لا تتيح أنماطًا عائلية بديلة.
مبدئيًا أنا مع تبني النموذج الذي يتيح ممارسة كافة الأنماط البديلة، لكن الأهم من ذلك هو الحالة الاقتصادية للأفراد. فالأفراد دائمًا يجدون الهامش الملائم الذي يتيح لهم ممارسة حياتهم بحرية، وأحيانًا بسرية، بعيدًا عن ما ينص عليه القانون. لكن الوحيدين الذي يستطيعون أن يسمحوا لأنفسهم بممارسة هذه الحرية هم الأفراد المستقلون اقتصاديًا، سواء كانوا رجالًا او نساءً.
اما إذا كان السؤال يتعلق بالشريعة الإسلامية ذاتها، فالجواب واضح. ولا أرى أنه من المناسب الخوض في العقيدة الدينية، خاصة وأن الحديث يدور عن دولة تدعي العلمانية. انا مع تحرر الدولة من الشرائع الدينية، لكن هذا التحرر يعني أن تتيح الدولة ممارسة هذه الشرائع بحرية لمن يختار ذلك. فسقف العلمانية وقدرتها على احتواء الشرائع الدينية أوسع وأكبر من قدرة الدين على احتواء ما يخالفه. على الدولة العلمانية أن تتيح للأشخاص المتدينين ممارسة حياتهم بحسب عقيدتهم، لكننا نعلم أن العكس غير صحيح، فالدول الدينية لا تتيح للأفراد الحرية لممارسة حياتهم وفق خياراتهم. لهذا، فخياري أنا هو خيار الدولة العلمانية.
بالإضافة لا بد أن نذكر أن النموذج الذي تتغنى به الدولة (أب وأم واطفال) هو نموذج عائلة استعماري، وقد كُتِبَ الكثير - لا سيما من قبل باحثين من دول الجنوب - عن التحرر من هذا النموذج الاستعماري، وعن خصائص وأحيانًا فضائل النماذج العائلية السابقة للاستعمار.
أنا أؤيّد "تعدد الزوجات وفق الشريعة الإسلامية" بمعنى عدم تجريمه قانونيًا، وهذا انطلاقًا من دعمي لكل أنماط العائلات التي لا يشترط أن تتكوّن من أب وأم وأطفال. فالعائلات قد تتكوّن بأشكال متنوعة تختلف عن النمط الثنائي المغاير الذي فُرِض على العالم كنموذج وحيد يُحتذى به.
يمكن أن تتكون العائلة من أم وحيدة مع أطفال، أو أب وحيد مع أطفال؛ سواء كان ذلك عن خيار أو لظرف فرضته الحياة.
كذلك يمكن أن تتكون العائلة من أم وأم مع أطفال، أو أب وأب مع أطفال، بغضّ النظر عن وجود علاقة جنسية بين البالغين في هذه العائلة من عدمه. فقد تفرض الحياة مثلًا لظروف مختلفة ومتعددة أن تتشارك أختان في تربية أطفالا معا (اذا ترملت اختك ع بكير ممكن تعيشي معها وتربي أولادها معها كما لو كانوا أولادك وكما لو كنت أمهم التي لم تلدهم؟) من وجهة نظري هذه عائلة، والعلاقة الزوجية ليست شرطًا في تكوين العائلة. وينطبق الأمر ذاته على الرجال. فمن الممكن لأخوين أو أب وابنه أن يجدوا أنفسهم مسؤولين عن تربية الأطفال لنفس السبب، أي أن الحياة فرضت عليهم هذا الوضع (ترمّل الأب والسيد مثلا. ممكن تصير؟ ممكن). العائلة بالنسبة لي تتكوّن من فرد بالغ أو أكثر، يقدم الرعاية والاهتمام لطفل واحد او أكثر. وإذا فرضت الحياة ذاتها على البعض كما في الأمثلة السابقة وأدت إلى تكوين عائلات غير نمطية فهذا لا ينتقص من عائلية هذه العائلات.
على نفس المبدأ، يمكن لأشخاص بالغين غير نمطيين أن يختاروا تقديم الرعاية والاهتمام لطفل واحد أو أكثر بناءً على خيارهم وليس لأن الحياة فرضت عليهم ذلك، وهذا أيضَا لا ينتقص من عائليتهم. وبالإشارة الى "أشخاص بالغين غير نمطيين"، أعني المثليين والمثليات، لكن أيضا الأفراد اللاجنسانيين (أي أشخاص لا توجد لديهم رغبة جنسية) وغيرهم ممن لديهم رغبة في تكوين عائلات غير نمطية والانخراط في رعاية أطفال قد يكونون أو لا يكونون أبناءهم البيولوجيين.
بالتالي من الممكن أن يكون لكل طفل أكثر من أم أو أكثر من أب غير الأم البيولوجية أو الأب البيولوجي. كل هذه أنماط عائلات غير مألوفة، وكونها غير مألوفة لا ينتقص من عائليتها.
بناء عليه، أنا أؤيد تعدد الزوجات إن كان نابعًا عن خيار حر. وهذا في الواقع هو الفخ الذي تقع فيها النسويات الفلسطينيات الرافضات لتعدد الزوجات، إذ يتجاهلن مسألة انعدام الخيار، ويركزن على إدانة النهج لذاته، وما هذا إلا نفاق.
وهذا النفاق نابع من تملّق النسويات الفلسطينيات للسياسات الليبرالية وللنسوية الليبرالية وهو أيضًا نفاق زميلاتهن النسويات الإسرائيليات اللواتي يرفضن تعدد الزوجات بينما يعشن بأنفسهن في أطر عائلية غير نمطية. فمن بينهن الأمهات الوحيدات في عائلات أحادية الوالدية، والأمهات في عائلات قائمة على المساكنة الزوجية دون أي تأطير قانوني رسمي - ديني او مدني - للعلاقة الزوجية، أو منهن المؤيدات والداعمات للعائلات المثلية وللسيولة الجندرية وللحب البولي-أموري (كيف بالله، طالعة حلوة الحب البولي-أموري اه؟ مودرن ومنفتح ومش زي تعدد الزوجات دِّج ومتخلف وعربي)، قمة النفاق.
والأسواء من النفاق، حسب رأيي، هو ما يسمح هذا النفاق بالتغاضي عنه، وهو المشكلة الرئيسية في مسألة تعدد الزوجات، وهي غياب الخيار الاقتصادي (والإطار القانوني-السياسي في حال كانت الزوجة من غزة أو من الضفة). ففي أغلب حالات تعدد الزوجات تكون النساء مُستغلات ومقموعات ومغلوب على أمرهن، ونادرًا ما نجد نساء يعشنَّ هذا النمط عن خيار حر. لكن هذا لا يلغي حقيقة أن بعض النساء اخترنَّ هذا النموذج العائلي بإرادة حُرة وعن رضا تام من جميع الأطراف، ولا يحق لأي منا أن تقرر أن هذا الخيار غير قانوني. وفي اللحظة التي تُعلِن فيها النسويات أنهن متقبلات للموضوع، عندها ستأتي النساء اللواتي اخترن هذا النموذج بشكل حر ليشاركن قصص حياتهن وأسباب اختيارهن الانخراط في عائلة تتعدد فيها الزوجات. في اللحظة التي تتحلى فيها النسويات الفلسطينيات ببعض التواضع وتتراجع عن إصدار الأحكام وعن الحذو خلف النسوية الليبرالية البيضاء، سنسمع قصص هذه النساء. لكن رفض هذا النموذج هو الذي يتيح إخراس النساء اللواتي تعيش في إطاره، والتكلم بالنيابة عنهن ولعب دور "محاميات الدفاع" عن "النساء المستضعفات". لكن الحقيقة هي أن النسويات هنّ من يخرسنَّ هؤلاء النساء وهن اللواتي يستضعفنهن، إضافة إلى الاستضعاف البنيوي الذي تعيشه هذه النساء. النسويات الفلسطينيات مستفيدات بشكل مباشر من عملية الإخراس هذه ومن التأطير النمطي الرافض للآخر(ى) والمهمّش لها ولأسلوب حياتها.
مرة أخرى أشدّد أنا أؤيد "تعدد الزوجات وفق الشريعة الإسلامية" إذا كان نابعًا خيار حر، لكن هذا ليس هو الواقع. مع ذلك، ليس من حقنا أن نقرر أن تعدد الزوجات غير قانوني. في الوقت ذاته، علينا توجيه طاقاتنا لمعالجة الضائقة الاقتصادية أو القانونية التي تسبب المعاناة للنساء وتجعلهنّ ضحايا للاستغلال. إذا حسّنا الوضع الاقتصادي للنساء، وإذا حسّنا المكانة القانونية للنساء من غزة والضفة اللواتي يعشن في إسرائيل، فإن الكثير منهنّ سيخرجن من دائرة الاستغلال دون أن يلغي هذا شرعية هذا الخيار لمن ترغب به.
تقبل أنماط العائلات البديلة، وتقبّل مرونة الأدوار الجندرية، وميوعة الجنسانية، وفي ذات الوقت رفض تعدد الزوجات، ما هو إلا نفاق صافي؛ نفاق النسويات الفلسطينيات والإسرائيليات على حد سواء. نفاق تذويت العنصرية المرافقة للنسوية الليبرالية البيضاء في صفوف النسويات الفلسطينيات.
انا مع العائلات بكل أشكالها. العائلة بالنسبة لي لا تُعرّف بحسب العلاقة الجنسية بين أفراد الجيل المؤسس للعائلة، فقد تتكون العائلة بدون علاقة جنسية. هنالك الكثير من الفرضيات الخاطئة والقوالب الجاهزة التي اعتدنا أن نفكر بالعائلة من خلالها، بينما الإمكانيات أوسع بكثير. العائلة بالنسبة لي هي مجموعة أشخاص يتبادلون الرعاية فيما بينهم وتجمعهم علاقة اقتصادية شيوعية بالمعني الحرفي والعملي للكلمة: "كل واحد على قدر استطاعته، وكل واحد على قدر ما يحتاج"، سواء مع أطفال او بدونهم.
أعلم أن الشريعة الإسلامية لها رأي آخر فيما يخص العائلة، فهي تسمح بتعدد الزوجات بينما لا تقبل بعض الأنماط الأخرى، لكننا لا نعيش بدولة شريعة إسلامية، إنما في دولة علمانية، أو على الأقل هذا ما نريد. وإذا كانت هذه الدولة - كمجتمع وكمؤسسات - تتقبل أشكال العائلات البديلة، فليس هنالك أي حِجة لها في رفض تعدد الزوجات. رفض تعدد الزوجات في دولة علمانية ليبرالية تتعدد فيها أشكال العائلات ما هو إلا نفاق.
لأنه كلنا مع الحب البولي أموري، صح؟ ومع السيولة الجندرية والميوعة الجنسية (ونص الرجال اللي ضد تعدد الزوجات ممكن متحرشين او عنيفين او ما عندهم مشكلة يكونوا مصاحبين)، بس تعدد الزوجات تخلف. أكيد.
عل كل حال عادة يعتمد تعدد الزواجات على الزواج العرفي ولا يسجل قانونيًا، لكن لماذا الحاجة الى التجريم والملاحقة القانونية؟! بالعكس علينا أن نسعى لقوننة الزواج وإتاحة تسجيله رسميًا فهذا ما سيوفر الحماية للنساء ولأطفالهن وليس نزع الشرعية عنهن والملاحقة القانونية.
كذلك يجب أن لا ننسى أن المرأة غير المستضعفة اقتصاديًا تستطيع التحرر من الرجل العنيف أو الخائن أو من إطار تتعدد فيه الزوجات، أما المرأة المستضعفة اقتصاديًا فستكون مغلوبة على أمرها ومستغلة في كل الأحول. فلا تشدوا على حالكن كثير بالمحل الغلط، رجاءَ، المشكلة ليست في تعدد الزوجات ولا في الشريعة الإسلامية.
وأكيد النسويات الإسرائيليات راح يصفقولكن لما تحكوا ضد تعدد الزوجات، ما احلاهن وهني مش مصفقات، برافوا عليكو وعليهن وعلى النسوية الناصعة البياض.
______________
بإعقاب النشر بالـ "فيسبوك"، تلقيت السؤال التالي:
كلام جميل لكن هل تشريع تعدد الزوجات سيرافقه تعدد الأزواج أيضًا؟ أنا مع حرية الاختيار وكذلك مع المساواة، ليكن ذلك متاحاً للجميع إن كان هنالك من مجال لتشريعه.
الجواب على هذا التعليق:
أنا مع كل أشكال العلاقات المبنية على خيار حر، ومع كل أنواع العائلات القائمة على ذات المبدأ. الطرح أعلاه ملائم لما يحدث داخل دولة إسرائيل التي تتبنى الأنماط البديلة للعائلات المثلية، والعائلات الأحادية الوالدية، والعائلات المبنية على المساكنة وغيرها، لكنها ترفض تعدد الزوجات. لكن لا يمكن إسقاط هذا الطرح كما هو على دولة مثل تونس، على سبيل المثال، أو على أي دولة عربية أو إسلامية أخرى قد تحذو حذو تونس وتمنع تعدد الزوجات، لأن تونس لا تتيح أنماطًا عائلية بديلة.
مبدئيًا أنا مع تبني النموذج الذي يتيح ممارسة كافة الأنماط البديلة، لكن الأهم من ذلك هو الحالة الاقتصادية للأفراد. فالأفراد دائمًا يجدون الهامش الملائم الذي يتيح لهم ممارسة حياتهم بحرية، وأحيانًا بسرية، بعيدًا عن ما ينص عليه القانون. لكن الوحيدين الذي يستطيعون أن يسمحوا لأنفسهم بممارسة هذه الحرية هم الأفراد المستقلون اقتصاديًا، سواء كانوا رجالًا او نساءً.
اما إذا كان السؤال يتعلق بالشريعة الإسلامية ذاتها، فالجواب واضح. ولا أرى أنه من المناسب الخوض في العقيدة الدينية، خاصة وأن الحديث يدور عن دولة تدعي العلمانية. انا مع تحرر الدولة من الشرائع الدينية، لكن هذا التحرر يعني أن تتيح الدولة ممارسة هذه الشرائع بحرية لمن يختار ذلك. فسقف العلمانية وقدرتها على احتواء الشرائع الدينية أوسع وأكبر من قدرة الدين على احتواء ما يخالفه. على الدولة العلمانية أن تتيح للأشخاص المتدينين ممارسة حياتهم بحسب عقيدتهم، لكننا نعلم أن العكس غير صحيح، فالدول الدينية لا تتيح للأفراد الحرية لممارسة حياتهم وفق خياراتهم. لهذا، فخياري أنا هو خيار الدولة العلمانية.
بالإضافة لا بد أن نذكر أن النموذج الذي تتغنى به الدولة (أب وأم واطفال) هو نموذج عائلة استعماري، وقد كُتِبَ الكثير - لا سيما من قبل باحثين من دول الجنوب - عن التحرر من هذا النموذج الاستعماري، وعن خصائص وأحيانًا فضائل النماذج العائلية السابقة للاستعمار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق