في مواجهة الهشاشة البيضاء (White Fragility)

تكتب نجلاء عثامنة عن مواجهة الهشاشة البيضاء في الحقل العلاجي وفي غرفة العلاج. لا تستعمل نجلاء في مقالتها هذه هذا المصطلح، ولا اعلم إن كان المصطلح معتمد في علم النفس، إلا أنني اجده ملائم جدًا لما وصِف في المقال.

يشير مصطلح "الهشاشة البيضاء"، وينسب هذا الى روبين ديانجيلو (2011)، الى شعور التهديد والانزعاج لدى البيض عند طرح المسائل العرقية والعنصرية. فعلى سبيل المثال، تخلق "الهشاشة البيضاء" في المدارس أو في الكليات والجامعات بيئة تعليمية معادية للطلاب السود، ويشعر هؤلاء بتهميش تجاربهم ووجهات نظرهم حين يتجنب الأساتذة عامة الخوض في مواضيع العرق والعنصرية ويعتبرونها خارجة عن المادة الدراسية.

الى جانب التجاهل والاقصاء الذي يثير الشعور بالاغتراب والنفور لدى الطلاب السود، قد تتجلى "الهشاشة البيضاء" أيضًا بردود فعل دفاعية-عدائية تثير الشعور بالذنب (الابتزاز العاطفي) لدى الطلاب السود بناء على ما سببوه من إزعاج وضيق للزملاء البيض. بالتالي، بدلا من مسائلة العنصرية البيضاء تعمل "الهشاشة البيضاء" على تحويل المسؤولية نحو السود فيجد الطالب الأسود نفسه مطالبا بالإذعان للهشاشة البيضاء وتفهم ما يتوقع منه البيض تفهمه، في حين يستمر هؤلاء بتجاهل آليات القمع والعنصرية وتجاهل انخراطهم فيها وتواطؤهم معها.

العنصرية الكامنة في الإذعان للهشاشة البيضاء، بحسب رأيي، هي من أشد حالات العنصرية، اذا انها تتجاهل البنى العنصرية والقمعية القائمة وفي ذات الوقت تلقي بالمسؤولية على الأفراد المقموعين، فتزيد عليهم الصاع صاعين. وهذا ما حدث حسب رأيي في اذعان بعض النسويات الفلسطينيات للهشاشة النسوية البيضاء، حين وجدن أنفسهن مضطرات وربما مطالبات بالدفاع عن "نسويتهم التي لا تتجزأ". هذا الدفاع المنحاز الى الهشاشة البيضاء - النابع أولا من الرغبة في الحفاظ على ماء الوجه، وثانيا، ربما من القلق على المشاعر المرهفة للنسوية البيضاء التي تقوم أساسا على الابتزاز العاطفي - حوّلَ النسويات الفلسطينيات من مقموعات الى قامعات، من نساء ينتمين الى جماعة مُضطهَدة الى نساء عليهن تبرير نسويتهن والتأكيد على اخلاقياتهن أولا وقبل أي شيء، لأنهن، شئنا أم أبينا، هن المُسائَلات وليس العكس.

في مقالتها تشير عثامنة الى المعرفة الكامنة في الجسد، الجسد المش مرتاح بالقعدة لا على الصوفة ولا على الكرسي، الجسد العارف والرافض للممارسة القمعية التي تختار الكاتبة في النهاية الابتعاد عنها تماما والخروج من الإطار الذي حول مساحة التحرر الى مساحة قمع واتهام ومسائلة ونزع للإنسانية.

وكما تشير عثامنة، ما حدث معها ليس حالة خاصة كما وانه ليس شأنا حصريا لحقل واحد، بل كثيرة هي "مساحات التحرر" التي تعمل بفعل الهشاشة البيضاء كمساحات لانتزاع الإنسانية. منها على سبيل المثال ما يحدث في الجامعات الإسرائيلية من تضييق وملاحقة للطلاب العرب، حيث تتجلى الهشاشة البيضاء والعنصرية الكامنة فيها على مستوى المؤسسات وليس فقط الافراد.
مقال مهم، انصح بقراءته، يعتمد على الإثنوغرافية الذاتية، أي على تحويل التجربة الذاتية الى موقع لإنتاج المعرفة.

شكرا نجلاء على هذه المشاركة الكاشفة التي تتيح المجال للحوار حول "مساحات التحرر" المتهاوية أمام الهشاشة البيضاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق