وزارة اوقاف غزة وعيد الميلاد

وأنا أيضا مع الحد من التفاعل مع الكريسماس، قصدي مع الحد من ثقافة الاستهلاك المجنونة التي تحيط بالكريسماس، ومع العودة إلى المفهوم الحقيقي لعيد الميلاد، لمذود البقر، للتواضع، للتجرد من كل شيء، للجوء إلى مغارة لا يوجد بها غير حيوانات ألطف من البشر، للولادة من لا شيء (من الروح القدس) بدون أي شيء وبعيدا عن أي شيء. ولادة طفل من سلالة ملك في مذود للبقر. ولادة طفل مُلاحق سيترك بلده مباشرة بعد ولادته. ولادة في محاولة منعها يقتل آلاف الأطفال. ولادة لم يسمع بها أحد في حينه غير بعض علماء النجوم وبعض الرُعيان، ولادة جاءت لتجردنا من كل المفاهيم المادية والسياسية والاجتماعية ومن كل الأعراف المحيطة بالولادة، وتعيدها إلى مفهومها الروحاني المجرد، مفهومها العدمي إن شئتم. 

لا أعلم ماذا كانت نوايا وزارة الأوقاف في غزة عندما دعت في 15 كانون ثاني 2020 للحد من التفاعل مع الكريسماس، لكن أنا أيضا مع الحد من التفاعل مع الكريسماس، ومع العودة إلى عيد الميلاد. فالشجرة والزينة والبالونات والأحمر والشكولاتة والهدايا وبابا نويل، كلها أمور جميلة فعلا لكنها فقدت بعدها الرمزي وتحولت وحولتنا معها نحن البشر إلى سلعٍ في سباق تسلع واستهلاك. فصارت كلها وصرنا معها، سلع تباع لسواح محليين وأجانب. ليس في غزة طبعا، هيهات. ولم تفقد هذه البعد الرمزي فقط بل فقدت أيضا البعد الثقافي، حيث غلفنا ذواتنا واعيادنا وشجراتنا وهدايانا ومدننا بورقة مذهبة تليق بأذواق المستهلكين وقدمناها على طبق الاستهلاك. ولسنا سلع تباع فقط للسواح إنما سلع للاستهلاك الذاتي يستهلك كل منا الآخر؛ من شجرته أكبر، ومن زينته أجمل، ومن غمر أطفاله بعدد لا يحصى من الهدايا والشوكولاتة التي فقدت كلها معناها وطعمها، وأهالي الأطفال يشهدوا على هذا. نحن الشبعانين التخمين، او ربما الواهمين بالتخم، نحن أحوج من يحتاج إلى الحد من التفاعل مع الكريسماس وإلى تذكر الولادة في مذود البقر. 

وكل عام والجميع بخير، وغزة وأهل غزة بخير، غزة التي كانت الطريق الآمن للأطفال الفارين من البطش في طريقهم إلى مصر، وكانت الطريق الآمن لهم في طريق العودة. غزة التي نادت وزارة اوقافها بالحد من التفاعل مع الكريسماس، ولا أدري ما هي خفايا قلوبهم، لكن سأنام اللية وأحلم أن ما أزعجهم حقا هو الكريسماس وليس عيد الميلاد. 

وللحلم بقية...
وكل عام والجميع بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق